الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

من كتب.. كذب

إذا كان الكذب مجرد رذيلة، فإن مواجهته بالوعظ والإرشاد وبنصوص الدين قد تكون ممكنة، وربما، تؤتي أُكلها، لكن المواجهة قد تبدو مستحيلة إذا أصبح الكذب مهنة وحرفة ومصدر دخل ومنهج حياة وإدارة وحُكماً!

إذا كان الكذب سياسة دبلوماسية، نعم تبدو مستحيلة عندما يجعل الناس رزقهم أنهم يُكذبون أو يكذبون، فالأولى من التكذيب والثانية من الكذب، فمكذب الصدق ومنكر الحقائق كذاب أيضاً «وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون» (سورة الواقعة ـ الآية: 82)، أي أنهم يكسبون قوتهم بالتكذيب والكذب، لأن الحق والصدق قد يقطعان الدخل والرزق لدي المكذبين الكذابين، فهم يقتاتون بكل صنوف الكذب، كالدجل والسحر والشعوذة والمعارضة والرفض وسفك الدماء والتدمير والتخريب.

والكذب بياع جيد أو كما يقول المصريون (أكل العيش)، والبعض أو كثير من الناس لو كفوا عن الكذب لماتوا جوعاً وافتقروا وانقطع مصدر ثرائهم، وهناك قول عربي كاذب تماماً وهو (الأرقام لا تكذب والصورة لا تكذب)، وهو كلام ظاهره حق ومضمونه كذب، فعلاً الأرقام والصورة واللغة أيضاً لا تكذب بذاتها ولكننا نكذب بها، لا شيء يكذب بذاته ولكنه وسيلة البشر للكذب، والكذب صار فناً وحرفة، وكلما تقدمت وسائط ووسائل التكنولوجيا، تقدم الكذب وتحذر باللعب بالأرقام واللعب بالصور واللعب بمفردات اللغة، والإعلام بالتحديد مهنة الكذب أو نسميه (الفبركة)، والفبركة هي فن صناعة الكذب، ويقول المصريون أيضاً (الكذب ملوش رجلين والكذاب بشاي)، وهذا كلام تجاوزه الزمن، لأن الكذب صار يطير بجناحين ولا يمشي على قدمين، والكذاب لم يعد ينسى لأن الأكاذيب صارت موثقة ومصنوعة بشكل متقن، والكذب من أهم أسلحة الحروب الآن وصناعة الشائعات صارت مؤسسية ولم تعد فردية، وترويج الشائعات والأكاذيب أكثر تأثيراً وأشد قوة من نفيها.


الناس أميل إلى تصديق الأكاذيب والشائعات ولا يكادون يصدقون نفيها، وأشهر النجوم في كل مجال وخصوصاً في الإعلام والسياسة أكذبهم، وهم الأكثر تداولاً ومتابعة ومشاهدة ومقروئية ومواقع «التفاصل الاجتماعي» ولا أقول التواصل منساب للكذب، وكما أن أعذب الشعر أكذبه، فإن أقوى الأخبار والتصريحات أكذبها، حتى إنه يجوز القول بلا أدنى تردد: من كتب كذب!