الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

إبراهيم العابد.. حضور في الغياب

في حضرة الغياب، لا يعلو على صوت الصمت المهيب سوى الذكريات والمواقف التي تجتاح الإنسان، أمام فَقْد شخص عزيز بوزن الأستاذ «إبراهيم العابد»، الذي رحل عن دنيانا بلا ضجيج، تاركاً خلفه مسيرة طويلة من العمل الإعلامي المتميّز، الذي بقي على شغفه به حتى يومه الأخير، ورصيداً كبيراً من المحبة والعلاقات الإنسانية الرائعة مع طيف واسع من العاملين في المجال.

أبوباسم عرفته منذ سنوات طويلة، ولكنني عملت معه من قرب في السنوات الخمس الماضية، عرفته مهموماً بما يجري، ومشغولاً بواقعنا العربي، يغوص في رحلة الماضي ويُسقط أحداثه على الواقع، جميلاً في تعليقاته، يتحدث بهدوء في قضايا تحس بوهج نارها الكامن في صدره، مع حرصه الدائم على أن يكون منطقياً في الطرح، بعيداً عن التشنج، يختلف معك ويعارض أفكارك بدماثة ونُبل، كي لا يشعرك بأنك على خطأ.

كان، رحمه الله، إعلامياً بالفطرة، لديه مخزون وافر من المعرفة والخبرة راكمها على مدى خمسة عقود.. شخصيته مجبولة بالأخبار والتحليلات، لم يرَ في الإعلام عملاً يقبل التقاعد، فأبى إلا أن يبقى في مكتبه حتى اليوم الأخير، مُتابعاً كل الأحداث أولاً بأول، يأتينا كل صباح ليشاركنا آراءه فيما يحدث، يُعيدنا لسنوات مضت، يُحدثنا بقصص عاصرها وعايشها لا لمجرد الحديث، بل ليوصل إلينا رسالة نفهم منها ما يريد قوله بشكل غير مباشر.


تغيّر الإعلام وتغيّرت الأدوات، وبقي هو على أسلوبه في التعامل مع القضايا الإعلامية، من دون أن يعارض أو يرفض التطور الذي حصل، بقي مؤمناً بأن الكلمة هي الأساس وغيرها مجرد أساليب وأدوات، تراه بين الفترة والأخرى حاملاً بين يديه مجموعة من نُسخ كتاب جديد ليضعها بيديه على مكاتبنا، لعلنا نجد وقتاً لقراءته، فهو من الجيل الذي يرى في الكتاب رفيقاً وزاداً للعقول.


هو عاشق من عشاق الزمن الجميل، لم يهرم عشقه مع تقدم العمر، ولم يكن يخفي مشاعره النبيلة ولا يخجل منها، ولا يسيطر على دمعة تغافله فتسقط رغماً عنه عندما يتحدث عمَّن يحب، تشعر بوهج خوفه على رفيقة دربه يشع من عينيه، فقد كان، رحمه الله، دائم القلق عليها، وفي الفترة الأخيرة ظل يسأل بقلق: كيف سيكمل حياته لو فارقت الحياة قبله؟ إلا أنه ذهب قبلها بلا وداع.. أطال الله في عمرها، وتغمّد أستاذنا الكبير بواسع رحمته.