الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تذكير الوظائف في الدول العربية

أصبح من الشائع عندنا تذكير المناصب السياسية والإدارية، سواء شغلها الرجال أم النساء؛ وكأن هذه الوظائف ذكورية من حيث الأصل والمبدأ، فنقول: هند وزير شؤون الأسرة، وسلمى مدير مؤسسة كذا، وزينب أستاذ الرياضيات!؛ إلخ.

ولعل أبو زكريا الفراء هو أول خاض في هذا الموضوع، وعلَّله بأن تلك المناصب أو الألقاب تكون في الغالب شائعة في الرجال أكثر من النساء، فأُجرِيت على أصلها، لكن قال الأنباري: ‹‹وربما أدخلوا الهاء، وأضافوا، فقالوا: فلانة أميرةُ بني فلان، ووكيلةُ بني فلان، ووصيةُ بني فلان››، وإذًا فالتأنيث في هذه الحالة عندهم جائز؛ رغم وجود العلة التي انطلقوا منها.

لكن هذه العلة – على افتراض صحتها – زالت الآن، وينبغي أن يزول حكمها معها، فلست أدري لماذا ننطلق نحن في القرن الـ21 من رواسب التاريخ الذي كان يقصُر الوظائف الإدارية والسياسية على الرجال، فنصف الإناث بأوصاف الذكور مراعاة للأصل المزعوم لتلك الوظائف!


فهذا التصور أصبح الآن غريبًا من جميع النواحي اللغوية الاجتماعية والسياسية، فإذا كان تاريخنا القديم يقصُر كثيرا من الوظائف على الرجال لأسباب اجتماعية وثقافية، فإن تلك الأسباب زالت الآن، وصار النساء يزاولن مختلف الوظائف إلى جانب الرجال، لذلك، فإنه لا يسوغ الانطلاق من سياقات تاريخية تجاوزتها الأزمان والأذهان لتسويغ تذكير المناصب الإدارية والسياسية بحجة أن المرأة لم تزاولها من قبلُ، فمذهبٌ كهذا فيه جمود فكري وعبث لغوي.


وحتى أوائلنا كانوا أكثر منا انفتاحًا، إذ أجازوا تأنيث الوظيفة إذا شغلتها المرأة، كما رأينا من كلام ابن الأنباري المشار إليه، ومن قول المصباح المنير: ‹‹وليس بخطأ أن تقول: وصية ووكيلة بالتأنيث؛ لأنها صفة إذا كان لها فيه حظ، وعلى هذا فلا يمتنع أن يقال امرأة إمامة؛ لأن في الإمام معنى الصفة››.

ليست هذه الظاهرة منتشرة حتى الآن في موريتانيا، وإن كان لا يخلو منها بعض الوظائف لأسباب خاصة، ففي موريتانيا يشيع استعمال ‹‹فلانة النائب (البرلماني) عن مدينة كذا››، ولعل الموريتانيين لجؤوا إلى ذلك رفعًا للحرج والتنكيت السياسي بسبب الاشتراك اللفظي بين ‹‹النائبة›› بالمفهوم ‹‹التشريعي››، و‹‹النائبة›› بمعنى ‹‹المصيبة››، وقد أحسن صنعًا مجمع اللغة العربية في القاهرة عندما اتخذ قرارًا يقضي بالمطابقة تذكيرا وتأنيثا عند ذكر الألقاب الوظيفية.