السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

وعاء المقالات

أثناء المرحلة الابتدائية كنتُ مسروراً عندما سُمِح لنا أن نستخدم القلم الحبر في الكتابة، بَدَلاً من قلم الرصاص، ولكنني تفاجأت أنني ملزم، وبصرف النظر عن القلم المستخدم في الكتابة، بالتقيُّد بما يمليه علينا المعلم.

وعندما فرض علينا من ضمن حصَّة اللغة العربية أن نكتب التعبير، ظننت أن لديّ حرية اختيار الموضوع وطريقة الكتابة، ولكن كانت الحرية أيضاً مقيدة بمجموعة من التعليمات التي لا يمكن تجاوزها، وعندما أرسلت أول مقالة لي للنشر أحسست أنها ستوضع من ضمن الكُتاب المتمكنين إلاّ أنني وجدت مقالتي وضعت في مكانها الطبيعي، وهي صفحة للأقلام المبتدئة، ومن خلالها تعلمت بأن لكل مقالة وعاء يحتويه.

ومع استمراري في الكتابة تيَّقنت أنه مهما كان نوع القلم الذي تكتب به، وبصرف النَّظر عن مضمون مقالتك، فإنها لن تنشر إلا وفق وعاء تملكه جهة قبلت أن تنشر لك.

وهذا الوعاء يفرض عليك شروطه وأحياناً توجُّهه، وفي بعض الظروف يكون هذا الوعاء ملزماً بمراعاة ثقافة البيئة المحيطة به، وبذلك يكون كاتب المقالة ليس صاحب خيار، إما بقبول شروط النشر أو يرفض تغيير المسار، حتى يجد ضالته في وعاء آخر يستوعبه.

وأوعية المقالات تتشكَّل وفق سياسة كل صحيفة، كما أن عدد الكلمات التي تفرضها بعض الصحف قد تخضع للمساحة الكلية المتاحة للصفحة، وفي صفحات الرأي الورقية يُعرف مكانة الكاتب أو المقالة لدى الصحيفة من المكان الذي توضع فيه المقالة، أما مواعيد النشر فإنها تخضع لأسباب منها تطبيق مبدأ العدالة بين الكُتاب، ومنها لا يمكن فهمها إلا بالتصريح المباشر من القائمين على تلك الصفحات.

ولكن بعض الأوعية قد تظلم المقالة أو الكاتب نتيجة الإخراج الفني لصفحة المقالات، فقد يُشتت نوع الخط تركيز القارئ، وحجم الخط ولونه له تأثيره في القراءة، لا سيما إذا لم يكُن مناسباً مع لون الصفحة، وبعض الصحف لا تُراعي المسافة بين فقرة وأخرى، ما يؤدي لتداخل الأفكار وعدم وضوحها أحياناً، وأحياناً تطغى بعض الرسوم في عدد من المجلات على كلمات المقالة، فلهذا تعطي بعض الصحف والمجلات أولوية لهذه الفنيات وتخضعها للدراسة.

وكل هذا لا يجعلنا نغفل عن الشكر لكل من هم وراء الكواليس لنشر المقالة، ومنهم: إداريون، وفنيون ومصححون لغويون يتداركون الهفوات الإملائِيَّة لبعضنا، ومنهم من يُصِّحح لبعضنا أخطاءه النَّحْويَّة.