الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«بغداد من نافذة السيارة»

في طريقي إلى دبي، للمشاركة في«مهرجان طيران الإمارات»، كان عليّ أن أمر ببغداد وأمضي في شوارعها، وأعبر فوق جسورها، وأتنفس ذلك الهواء الذي تعرفه حواسي وتبتهج له رئتاي.

بغداد في هذه الأيام، تعيش واحداً من أحزانها الوطنية، لكنها، وهذا من أسرار وجودها، تحزن بتلك الطريقة العميقة، التي تجعل المرء يتثاقل في المرور في فضائها، ورغم كثرة جروحها فإن حزنها يأتي على هيئة دفء إنساني وبروح عاطفية تتشح بالأمل، فهي مدينة لا تعرف معنى الحزن الرخيص والعابر والفجائي، وهذا ما يجعل البغدادي يتألم من دون يأس.

كانت مرافقتي وصديقتي الروحية، تعيش لحظة من لحظات تعودها على المدينة، وكنت أسرح عنها في تأمل معنى هذا السحر الذي تتبادله المدينة مع أهلها.

كنت أفتقد أشياء كثيرة.. أفتقدها ولم أنسها لذلك راقبت الناس والأشجار والطيور وحركة السيارات، وتلك الحيوية الشتائية الفريدة من نوعها.. كنت متعبة من السفر ومتشوقة للقاء الأهل، ومع ذلك لم أكن أريد لهذا الطريق أن ينتهي.

فعلاً، بحثت في تلك الدقائق، عن تفسير لمعنى أن تتشكل المدن بمزاجها الخاص وتبتكر فكرتها.. تُرى ما الذي يجعل من مساحة ما من الأرض، من دائرة صغيرة في هذا الكوكب أن تمتلك هذه الطاقة الفريدة في الوجود؟ هل لأننا ولدنا هنا؟ هل لأننا تشكلنا هنا وتشكلت معنا كل نظرتنا إلى العالم من خلال مصادفة الولادة.

الأمر يتعدى ذلك بكثير، فبغداد ليست مجرد مدينة تتكشف من وراء زجاج السيارة.. هناك بداخلنا بغداد ثانية نحملها معنا، مدينة لا تفصح عن ذاتها بكامل سحرها، إلا عندما نعود مرة أخرى ونفتح زجاج النافذة في الطريق البطيء المؤدي إلى بيوت فارقناها منذ أمد بعيد.

لحظة اللقاء ببغداد، بالنسبة لمن فارقها بضع سنوات، أو بضعة أشهر، أو حتى بضعة أيام، هي لحظة العثور على الذات الحقيقية، على أصالتنا وهويتنا الجوهرية.. لحظة التحرر من ثرثرة العالم والدخول في الطمأنينة.. بغداد بحاجة أيضاً إلى تلك الطمأنينة التي تمنحنا إيَّاها بسخاء منقطع النظير.