السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

كراسي البحث.. والجغرافيا الفكرية

في كتابه (جغرافيا الفكر) يقدم «ريتشارد إي نيسبيت» مجموعة من الأطروحات المتعلقة بطرائق التفكير لدى الناس على اختلاف بيئاتهم، سواء أكان على مستوى الممارسات الاجتماعية أو الاقتصادية، الأمر الذي يجعل من جغرافيا الفكر نمطاً من «الثقافة العصرية وامتداداً حضاريّاً وثيق الصلة بالتطور الاجتماعي والتكيف مع البعد العالمي الجديد»، ولهذا، فإن العالم اليوم يسعى إلى تمديد جغرافيا الفكر من خلال مجموعة من الممارسات الحضارية التي تهدف إلى التقارب والتفاهم والسلام.

ولأن الدول تهتم بالتعليم والبحث العلمي بوصفهما أداتي الفكر الأساسيتين، فإنها تقدم هذه الأدوات لبعضها في نمط تبادلي، يُعرف بالتنوع الثقافي من ناحية والإبداع القائم على الانفتاح من ناحية أخرى، ولهذا فإن سلطنة عمان اهتمت منذ عصر النهضة الحديثة بإنشاء كراسي البحث العلمي في ربوع العالم بُغية التعريف بالدور الحضاري لعُمان في تطوير المعرفة الإنسانية، وتشجيع البحث العلمي ودعمه.

فمنذ عام 1980 أنشأ المغفور له السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله تعالى ـ مجموعة من الكراسي والزمالات التي تهدف إلى تقريب الثقافات الإنسانية، منها كرسي سلطان عمان في الأدب العربي والإسلامي في جامعة جورج تاون الأمريكية، ثم كرسي للغة العربية في الجامعة نفسها في عام 1993 وآخر في جامعة بكين في جمهورية الصين الشعبية، وكرسي العلاقات الدولية في هارفرد الأمريكية، وكرسي الدراسات العربية والإسلامية في جامعة ملبورن الأسترالية، ثم زمالة السلطان قابوس الدولية في مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية في المملكة المتحدة، وكرسي الدراسات العربية المعاصرة في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، وكرسي الدراسات الشرق أوسطية في جامعة طوكيو في اليابان، وأستاذية للديانات الإبراهيمية والقيم المشتركة في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، وغيرها.


إلا أن هذه الكراسي العلمية لم تقتصر على العلوم الإنسانية وحدها، بل شملت العديد من مناحي المعرفة، كما هي الحال في إنشاء كرسي للاستزراع الصحراوي في جامعة الخليج العربي في مملكة البحرين، ثم كرسي لتقنية المعلومات في جامعات الهندسة والتكنولوجيا في جمهورية باكستان، وكرسي لإدارة الكمية للمياه في جامعة أترخت الهولندية، وزمالة للرياضيات في كلية كوربوس كريستي في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة.


إن هذا التنامي في إنشاء الكراسي العلمية يعبر عن الاهتمام بجغرافيا الفكر من حيث ربط العالم فكرياً، إذ تتلاقى تلك الثقافات المتنوعة في مراكز علمية، تسهم في تقارب تلك الجغرافيات المتباعدة لإنتاج مجتمعات عصرية قادرة على الحياة في سلام وتفاهم.