السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الترجمة خيانة أم شراكة؟

يدور الحديث كثيراً في أوساط الترجمة فكرة أن الترجمة خيانة، من منطلق أننا مهما حاولنا لا نستطيع أن ننقل نصّاً من لغة بكل تاريخها وانتماءاتها الحضارية ونُظمها النحوية والصرفية، نحو لغة أخرى تختلف عنها في كل شيء بما في ذلك رسم الحروف، العربية مثلاً مقابل الفرنسية، الإنجليزية، الروسية والصينية وغيرها.

هذا يعني أننا سنمارس الخيانة بشكل مشروع ومتفق عليه سلفاً، منذ اللحظة الأولى تضعنا كلمة خيانة أمام مساءلة جوهرية: هل ترجمة الثقافات العالمية مستحيلة دون فعل الخيانة؟

كلمة خيانة نفسها تضع النص المترجم في صف المشكوك فيه بالنسبة للقارئ، وتهز داخلياً ثقة المتلقي في علاقته بالمترجم وجهده، لذا يجب أن نتفق منذ البداية أن الأمر يتعلق بترجمة النص الأدبي حيث يلعب فعل التأويل دوراً مهماً لا يمكن نكرانه، وربما هذا واحد من الأسباب التي ربطت الترجمة بالخيانة.


الأمر يختلف حتما عن النص العلمي الذي لا خلاف حوله لأنه يستنجد بلغة بيضاء قادرة على نقل معرفة مجردة نحو مساحة لغوية أخرى تشتغل على نفس التجريد، في المجال الفيزيائي، الرياضي، الطبي، النووي وغيره من حقول العلوم الدقيقة، فلا مكان للغة التأويلية لأن الحقيقة العلمية واحدة ومتفق عليها عموماً.


المشكلة الوحيدة التي تُطرح في هذا السياق هي إيجاد المقابلات وكيفيات نحتها لغوياً وصرفياً أو حتى اعتباطياً، فالأمر يتعلق إذن بحقل الترجمة الأدبية التي تتغير فيها العلاقة مع اللغة متعددة المعاني، وعلى الرغم من هذا الاتساع الذي يجبرنا على المرور بقناة التأويل، تظل جملة: أن تترجم، يعني أن تخون Traduire c›est trahir غير صائبة أبدا، لذا لا أعتقد أن كلمة خيانة تليق بجهد يقرب بين مساحتين لدرجة التماهي في المعنى.

الخيانة لا مكان لها في الترجمة إلا إذا كانت ضعيفة، فهذا شأن آخر، لهذا ارتأيت من الأجدر (حتى في عملي مع طلبتي في السوربون الفرنسية في مادة الترجمة) تعويض كلمة خيانة بكلمة بديلة أعمق: شراكة، الترجمة شراكة Traduire c›est savoir partager.

الشراكة Le Partage بدل الخيانة، من هنا، تصبح الترجمة بعيدة عن الخيانة لكونها شراكة بالمعنى العام اللغوي، أي الدقة في اختيار الكلمات المناسبة، وبالمعنى الحسي، أي أن وراء النص المترجَم شيئاً يمكن لمسه وله وجود، ليس تعبيراً لغوياً فقط، ولكن ماديّاً أيضاً، وبالمعنى الإحساسي، فالنص يخفي سلسلة من الأحاسيس التي تكشف عنها الخيارات اللغوية التي التجأ إليها الكاتب للتعبير عن وجدان ما، وبالمعنى الإنساني الذي يقود حتماً نحو وضع النص المترجم في أفق أوسع من الذات.

بمعنى أبسط، علينا أن نسكن النص والكاتب معاً قبل الترجمة، فما جدوى نص نترجمه كما لو أنه قطعة رخام باردة؟، علينا أن نشعر بالدم الذي يجري في النص، بنبضه، قبل أن نجد له اللغة التي تقترب منه وتحمله، بذلك نمحو فعل الخيانة، ونكون أوفياء لنص أكبر من مجرد لغة، فهو: Un objet de désir بالنسبة لثالوث الرغبة (روني جيرارد): الكاتب، المترجم، والمتلقي.