السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

القراءة الرقمية

القراءة الرقمية مصطلح جديد يجري تداوله ونقاشه، أمضيت مدة أتأمل في كينونته ومعناه، وهو كمصطلح من حيث (الإجراء) يمكن إسقاطه على كل ما يمكن أن يقرأه الإنسان على الأجهزة الرقمية، لكن من وجهة نظري، أو اقتراحي، فله دلالة وظيفية، ومعنى فاعل يستحق أن نتقفى تطوره.

«في البدء كان الكتاب»، أظن هذه العبارة ستكون العبارة التاريخية للمستقبل المقبل، فجميعنا حين بدأنا عمليات البحث الأولى، سواء للدراسة أم للبحث الشخصي، كان مصدرنا الأول هو الكتاب، أحياناً نستفيد من الكتاب كله، أو أغلبه، وأحياناً كنا نحتاج معلومة واحدة من الكتاب كله، واقتناء الكتب كان متعة وترفاً إن لم يكن ضرورة عند البعض، ومع (اختراع) الكتاب الإلكتروني على شاكلة الـ(PDF) استغنى البعض عن اقتناء الكتب، بعضها أو كلها، وانصرف نحو قراءة الكتب عبر الأجهزة الذكية، والبعض أسس مكتبات إلكترونية كاملة أغنته عن المساحة الكبيرة غير المتوفرة التي سيحتاج إليها لو اقتنى كل هذه الكتب.

ولكن ليست قراءة نسخة الـ(PDF) هي ما أقصد بالقراءة الإلكترونية، بل استثمار الكم الكبير من المعلومات الموثقة والدقيقة التي امتلأت بها الشبكة العنكبوتية، فكي تتبع أي مسألة متعلقة بوباء (كورونا) مثلاً يمكنك العودة إلى مواقع مراكز الأبحاث الطبية والعلمية المعتمدة عالمياً والاطلاع على الدراسات والتقارير الرسمية الصادرة عن هذا الموضوع، ثم يمكنك البحث عن معلومات فرعية في مواقع معتمدة أخرى بالكيفية نفسها، دون أن تعود إلى كتاب علمي أو طبي موجود على رفوف المكتبة.


والأمر نفسه يمكن عمله مع أي موضوع من العلوم الإنسانية، إذ يمكنك العودة لقائمة المخطوطات المرقمة في موقع أي مكتبة أو متحف عالمي والاطلاع على ما تريد، أو العودة للوثائق الرسمية الصادرة عن أي جهة حكومية في أي دولة ومثبتة على موقعها الإلكتروني.


عملية البحث وفق هذه الآليات فيها وفرة من المصادر والمعلومات، وسرعة إنجاز تجعل عملية البحث ممتعة ومثمرة، وهو أسلوب يقوم على التوجه مباشرة نحو المعلومات الآنية المطلوبة من مواقعها المباشرة ومصادرها المعتمدة، بدل العودة للكتاب (كلي المعرفة)، وقد تؤسس هذه العملية لمنهجية جديدة في القراءة والبحث، لا أعلم مدى سلبياتها، لكنها تهتم بالجزئيات وبالمعلومات المباشرة أكثر من البحث في ماورائيات المعلومة وعلاقاتها، وكثير من الذين يعدون أوراق عمل للمؤتمرات، تحديداً، ينتهجون هذا الأسلوب في إعداد أوراقهم بثقة علمية وسرعة فنية، فكيف ستتطور اتجاهات البحث العلمي رقمياً في المستقبل القريب؟