الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الوجع المشترك

عندما تكون عراقيّاً، فماذا تكتب عما يجري في فلسطين؟ وكيف تتسلق قمة جبل مشاكلك الداخلية، لتنظر في الأفق وتسمع أصوات القذائف التي تعرفها أكثر من غيرك وقد جربتها أكثر من سواك؟

في طفولتنا، كانت فلسطين قصة بطولية ولكنها حزينة، نكتب عنها في درس الإنشاء، ونغني لها في المناسبات.. اللاجئون يعني أولئك الذين شردوا من ديارهم فتوزعتهم المخيمات والشتات.

كانت صورة ياسر عرفات بكوفيته التي ترسم خارطة البلاد الضائعة فوق رأسه، تختصر القصة التراجيدية، وكان العلم مطبوعاً على جدار المدرسة.


كبرنا وهاجرنا في شتاتنا الخاص.. شاهدنا المخيمات الوطنية تنتشر حول مدننا، وراقبنا الرصاص وهو يدوي في شوارعنا، ثم يتساقط شبابنا وهم يهتفون للوطن.


قبل ذلك، عشنا أيامنا السُّود، سُبِيت نساؤنا، وتعلمنا تهجئة الغياب الذي يتوسل الأمل، وتهدمت حواضرنا التاريخية، وتهاوت المآذن العريقة، ورأينا الثور المجنح تتناوله الفؤوس وهو يواصل أنينه المحبوس منذ آلاف السنين.

كبرنا يا فلسطين.. صرنا لا نفرق بين عويل الأمهات هنا وهناك.. نحن لا نعرف أي الدموع دموعنا، ولا ندري أي حزن هو حزننا.

لا نرى الشهب تسَّاقط من السماء، بل نفتش في الركام عن دمى الأطفال ونقول: أين هم الأطفال تحت كل هذا الركام؟.

الكاميرات ترصد السماء وتحصي اشتباكات الصواريخ بالصواريخ، لكن العدسات لا تعمل تحت البنايات التي ترنحت في الهواء.

لم نعد صغاراً، لم تعد فلسطين درساً في الإنشاء، لم تعد أغنية حماسية في مراسم رفع العلم.. نحن الآن نكتبها كما هي على خارطة الوطن، نعيد تشكيلها من دمائنا المختلطة.. نكتبها مدناً مهدمة ومخيمات للجوء وأمهات حزينات ومجتمعاً دولياً لا يهتم بنا.

نحن الذينَ نغرق بآلامنا الوطنية، نتألم أيضاً من نشرة الأخبار. لا نحصي القذائف، ولا نهتم لمصدات القبب الحديدية.. لا نسمع دوي المدافع، نسمع صوت الضحايا، وصوت الإنسان المبحوح عبر سرديات تعبت من تكرار مآسيها، لم نعد نغني في ساحة المدرسة لأننا أصبحنا نحن اللحن والقصيدة والحناجر معاً.

ماذا يكتب العراقي عن فلسطين دون أن يتورط بالوطن؟.. كيف يمرر الكلمات الغاضبة دون أن تصطدم حروفه بالعراق؟ كيف يواسي الضحايا وهو ينتظر المعجزة؟.. الجروح نتقاسمها ونحن نتطلع من وراء الحدود البعيدة.