الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

وقفة مع رواية «دفاتر الوراق»

من الأشياء الرائعة التي حصلت على ساحة الرواية العربية هي الجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة أيضاً باسم «جائزة البوكر العربية»، التي تُمنح سنوياً منذ عام 2008م برعاية مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، وبدعم مؤسسة جائزة بوكر في لندن بعد مرورها بإجراءات الترشيح والتحكيم والقائمتين الطويلة والقصيرة، وتهدف الجائزة إلى «مكافأة التميز في الأدب العربي المعاصر وتشجيع الإقبال على قراءة هذا الأدب عالمياً».

إضافة إلى المكافأة المالية الكبيرة (50 ألف دولار أمريكي للفائز، و10 آلاف دولار للمرشحين الستة في القائمة القصيرة) تؤمّن الجائزة تغطية إعلامية كبيرة، ووصولاً إلى القراء حول العالم عبر ترجمة الرواية الفائزة إلى الإنجليزية ولغات عالمية أخرى.

وبالفعل نجحت الجائزة في جلب الرواية العربية إلى دائرة اهتمام القارئ والمثقف العربي والعالمي، وهو أجمل شيء حصل للرواية العربية منذ فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب (1988م).

في دورتها الرابعة عشرة، فازت رواية «دفاتر الوراق» للروائي الأردني جلال برجس بالجائزة الأولى وتم الإعلان عنها في 25 مايو الجاري وتتميز الرواية «بقدرتها الفائقة على تعرية الواقع الكارثي من أقنعته المختلفة، حيث يقدم المؤلف أشد البورتريهات قتامة عن عالم التشرد والفقر وفقدان المعنى واقتلاع الأمل من جذوره، بما يحول الحياة إلى أرخبيل من الكوابيس» بحسب رئيس لجنة التحكيم شوقي بزيع.

لقد بدأتُ قراءة النسخة الإلكترونية للرواية (366 صفحة) فور الإعلان عن الجائزة لأنتهي من قراءتها في يومين، لا يمكنني أن أخفي مشاعر إعجابي الكبير بها، وقد شدني إليها -من جملة المزايا الفنية والمضامين الشكلية منها والفكرية- لغتها المشرقة والساحرة وحبكتها المحكمة مشوقة تشد القارئ، وطرحها لقضية مهمة جداً تطال مجتمعاتنا العربية والإسلامية وهي تمزق شخصية المثقف بفعل الصراع الحاد بين المحمول الثقافي التقليدي وطغيان السوشيال ميديا وعوامل أخرى كاستشراء الفساد السياسي والاجتماعي والأخلاقي والإجحاف عن الثقافة بشكل عام.

لقد تجسد ذلك في إصابة شخصية البطل إبراهيم بالفصام، بائع الكتب والقارئ النهم الذي يفقد كشكه لينتهي إلى حياة التشرد، هي حكاية المهمشين الذين يُهملون ولا يُنظر لهم أصلاً وسط نمو طبقة متنفذة فاسدة، وتشير الرواية إلى أهمية البيت رمزاً للوطن، ليس فحسب في الأردن حيث تقع معظم أحداث الرواية بين 1947م و2019م، بل في الوطن العربي أجمع، وأعتقد أن الرواية تمثل علامة فارقة في الرواية العربية المعاصرة.