الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

علوم الأعصاب والمنظومة التعليمية

سيشهد عام 2030 ثورة جذرية في المنظومة التعليمية، يُصبح فيها التعلّم تكنولوجياً بالأساس، إذ ستفرض علوم الأعصاب تجاوز مختلف وضعيات التعلم التقليدية التي ما زالت تطبع المنظومات التعليمية في العالم، لأن تقنيات «النانو» والتقنيات الحيوية وعلوم الكمبيوتر والعلوم المعرفية ستُدخل المدرسة فيما يطلق عليه «التصنيع المدرسي»، وهي مرحلة سابقة عن عصر «التّأْلية الكاملة».

وإذا كانت اليوم شبكاتنا العصبية ووظائفها عصارة بيئتنا الغذائية والتربوية والعاطفية، فإن الغد سيحتّم إدخال مكوّن جديد على هذه الشبكات، ممثلاً في الأفعال المكتسبة من التقنيات العصبية.

إن مشكلة المنظومة التعليمية، الآن، تكمن في تباطؤ توصيلها للمعارف واكتسابها، بالرغم من استنادها إلى التقدم التكنولوجي، وأن التحدي الأكبر الذي سيواجهها هو إيجاد منهج تقني خاص بكل متعلّم، هنا يُصبح التعلّم علماً حقيقياً قائماً على الملاحظة الموضوعية للعمليات التي يباشرها الدماغ وأنماط تفاعلاته المختلفة، ولن تستقيم المنظومة التعليمية، في العشرية المقبلة، دون معرفة خاصيات الإدراك العصبي والجيني للطفل على أساس دراسة الخطاطة المكوّنة لحمضه النووي في علاقتها بنوعية التّعلُّمات التي تلائمه وتنسجم مع التطلعات الكبرى لعصر «التّأْلية الكاملة».


إذن، هناك وعي بضرورة خلق قطيعة مع النمط التقليدي للمنظومة التعليمية في العالم، وبدون ذلك، سيحصل لأي دولة عاجزة عن مواكبة هذا التحول سقوط مروع في النكوص والتخلف، يُعتبر «المساق الهائل المفتوح عبر الإنترنيت» ودورات التعلم الإلكتروني، مُجرد مناهج دراسية لم ترقَ بعد إلى أن تُصبح فردية، لأنها لا تزال حبيسة العروض المجزّأة والمنفصلة، لكن بظهور الأشكال الأكثر تطوراً في الذكاء الاصطناعي، من غير أن يكون هذا الذكاء ضرورياً لتجاوز الإنسان، ستعمل البرمجيات على تحقيق تحدي التعلم الفردي، ما يجعل الدروس في المستقبل تقوم على طرح أسئلة فردية جدّ معقدة، لا يجيب عنها إلا الذكاء المصنّع منهجياً. من هنا ستحل دعامات الذكاء الاصطناعي محل الأستاذ، وستتولى وحدها مسارات التعلّم والتقويم، ومن ثمّ التوجيه الدراسي إلى التخصصات التي تلائم قدرات المتعلم، وسيزوّد مستجد علوم الأعصاب استراتيجية التعلم بآليات دقيقة لفهم الطرق التي تُمكن الدماغ من الفهم السريع وتحسين نجاعة بناء المعارف وتوصيلها في المُدد القصيرة، إذاك سيتم الحديث عن عصر «التعليم العصبي» والتثقيف العصبي ـ اللّذين يرفضان التعلم الحضوري الجماعي، ويلغيان حرفة الأستاذية والمدرسة وبيداغوجية اكتساب المضامين على حساب ابتكار المعاني وتبنيها.


في هذا السياق ذكر «جون مدينا»: «أن التعليم العصبي سيخلق قطيعة القطائع، وهي حتمية، من داخل المنظومة التعليمية بهدف صعود جيل (التكنولوجيا المدرسية)»، التي لا تؤمن إلا بتحقق القدرات الإنجازية عبر خريطة للتكوين يكون فيها التعلم مساراً براغماتياً يتحدد قبلاً بالدراسة القاعدية للمكون الجيني والعصبي للمتمدرس.