الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العيد.. في غياب أمي ووطني

في غياب الأحبة، وخاصة الأمهات يفقد العيد بهجته، وتفقد الحياة بكل نجاحاتها وفرحها البهجة.. ففي هذا العيد (الأضحى) الثالث بعد رحيل أمي أصحو متأخرة من النوم، أتعمّد ذلك، فأنا لا أريد أن أكون شاهدة على تفاصيل رافقتني منذ الطفولة، وبسبب مرض لعين انتهى كل شيء، وأعيد ذكر ما قاله الشاعر «سعيد عقل»:

أمي يا ملاكي يا حبي الباقي إلى الأبد

ولا تزال يداك أرجوحتي ولا أزال ولد


أمي يا نبض قلبي نداي إن وجعت


وقبلتي وحبي أمي إن ولعت.

في كل عيد أشعر وكأني أخون طقوس أمي وعاداتها في العيد وجلستها، وهي تقطع اللحم وتوزعه في أكياس وفق حاجتها للطبخ.. ما أتمناه البقاء على كل التفاصيل التي حدثت قبل الرحيل.

لا شك أننا نعيش ونمارس حياتنا بعد كل رحيل، ولكن لو دققنا كثيراً في المسألة، فسنجد جزءاً من القلب والروح قد رحل، وكما يقول الشاعر كامل الشناوي «لم تعد الحياة كما كانت؛ ولم أعد أنا أنا».

في تجربة المرض المؤلمة مع والدتي تعرفت على أشياء كثيرة واكتسبت قوة، في المقابل بدأت أخاف عندما أسمع بمرض أي شخص حتى لو كان بعيداً عن دائرة معارفي، أتألم، وأستعيد كل ذكرياتي مع مرض الوالدة.

لقد شاهدت مقطع فيديو للفنان الليبي «إبريك درباش»، وهو يرثي بغصة موجعة ابنه الفنان الراحل «هيثم درباش»، الذي رحل يوم عرفة بسبب رصاص طائش بعثر جسده، وهو واقف في طابور البنك، وهذا المقطع يتجدد يومياً في بلادنا بسبب الحرب والفوضى، ويبدو أنه لا خطَّة واضحة لجمع السلاح الذي يحصد الأبرياء يومياً.

سلبتنا الحرب إنسانيتنا، فبعد أن تعرفنا على الحرب من نشرات الأخبار، وككل البشر يؤلمني مشهد الدماء فقط. تعرفنا عليها عن قرب.

هنا أذكر ما كتبه إشمائيل بيه في كتابه «الطريق الطويل: يوميات صبي مجند»، حين قال ما معناه: كان الناس الذين يأتون إلى قريتنا هرباً من وحشية المتمردين، ويرْوُون ما يحدث من مشاهد داميَّة لم أكن أصدقهم وأحياناً أقول إنهم يبالغون، ولكن عندما دخل المتمردون قريتي، وشاهدت رؤوس البشر في أيديهم والدماء تتساقط منها، أدركت بشاعة ما يحدث، وما يسببه من ندوب عميقة مع كل إصابة شخص أو موته، فبسبب الرصاص العشوائي تعود إلى الذاكرة الحرب ومعاناتها».