الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«الدنيا ريشة في هوا»

كنت أتابع برنامج مسابقات أجنبياً، مثيراً للشهية والضحك أيضاً، متخصصاً في صنع الحلويات، حيث يقف 3 متسابقين أمام لجنة تحكيم، من بينهم أشهرالمتخصصين في صناعة الحلويات بفرنسا.

وفكرة البرنامج سهلة وخفيفة، وتُشعِر المتابع بالمتعة، حيث نشاهد كيف يتخبط المتسابقون ويعرضون مخاوفهم أمام الكاميرا دون حرج، وبالأخص في نهاية المسابقة، حينما تتغير ملامحهم جميعاً بشكل مثير للضحك، وتظهر أطباقهم بعيدة تماماً عما طُلِب منهم، من حيث اختيار المكونات والإنجاز، فعدم الخبرة والخوف من الحكام وشاشات الكاميرا تربك المتسابق رغماً عنه.

وقد أحببت البرنامج لأنّه ذكرني بأغنية سعد عبدالوهاب التي تغنى بها محمد منير، وهي «الدنيا ريشة في هوا، طايرة من غير جناحين»، وهذا ما ستشعر به وأنت متأكد أن الحكام في نهاية كل حلقة سيقوم أحدهم بتوبيخ المتسابقين لسوء أدائهم، ولكن الغريب أنهم كانوا في قمّة سعادتهم، رغم التعليقات المثيرة التي كانو يتلقونها، بعيداً عن الحساسية التي يعايشها المجتمع العربي، وأنا هنا لا أضع مقارنة أيهما أفضل، لكنني أشير إلى أن هناك تعليقات يجب علينا ألا نتوقف أمامها، لكي تمضي وكأنها ريشة في هوا.


في مجتمعاتنا تقوم حروب وتُشهرُ سيوف، بسبب كلمة أو تعليق لم يرق للطرف الثاني، فنحن مجتمع لفظي وسمعي بامتياز، لذا فأي عبارة أو جملة تُقال بقصد أو بدون، تتحول إلى حلبة صراع.


والفائدة من البرنامج الذي ما زلت أتابعه، مراقبتي لتلك الثقة العالية بالذات التي يتمتع بها المشاركون والحكام، فللأسف ومن خلال معايشتي لبعض الشخصيات، في مجتمعاتنا ومن جنسيات مختلفة، أكتشف أنهم بحاجة ماسة لتطوير ذواتهم وفكرهم لتقبل دعابات الآخرين، وتقبل أنفسهم، والتصالح مع الذات، من دون الحاجة إلى ارتداء الأقنعة.

وتخيلت لوهلة لو كان أبطال المسابقة من المجتمع العربي، كم من الدموع سنغرق بها، نتيجة عدم قدرة المتسابق على الاعتراف ولو ضمنياً بالخسارة؟!

فنحن بحاجة إلى تعلم كيفية قبول الخسارة، سواء أكانت في مسابقات أو في علاقاتنا الاجتماعية أو في حياتنا المهنية، يجب أن نكون أكثر انفتاحاً وتقبلاً للنقد والنصح، بل والاستفادة منها، فليس كل من انتقدنا يحمل ضغينة في مشاعره ضدنا.

صدقوني، من الجميل جداً أن نخفف من ثقل همومنا، ونتعلم طيران ريشة سعد ومنير، فلا شيء يستحق منا أن نعيش داخل قوقعة من الانكسار.