الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ما لا يُدرَك كله.. لا يُترَك جله

كثيرة هي الأفكار والمبادرات الخلاقة التي تخطر على عقول البشر، فهي نتاج طبيعي نحو الرغبة في التجديد والتطور.

مع بداية قصة الإنسان على هذه الأرض منذ الجمع والالتقاط وإيجاد المأوى والملبس وما تلاها من اكتشاف العجلة والنار، كان البحث عن الأفضل هو الدافع الأساسي لحركة البشر.

وكانت التجربة والخطأ النهج الأول الذي اتبعه الإنسان لبلوغ مقاصده، واستمر فيه إلى أن توصّل عقله للبحث العلمي الدقيق ونتائجه المجربة، والذي بفضله تطورت البشرية بشكل مذهل وتزايدت وتيرة الاختراعات العلمية، مغطية كافة نواحي الحياة. ومع كل هذا التطور اللافت يبقى القصور ملازماً للمجهود الإنساني ويحرمه من بلوغ درجة الكمال، وهذه حقيقة ثابتة لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، فهي ناموس من نواميس الكون الراسخة، ومع ذلك فهي محفزة للإنسان وملكاته للمضي في ركب الحياة في بحث دائم للتقدم والازدهار.

مع كل هذا التطور اللافت يبقى القصور ملازماً للمجهود الإنساني ويحرمه من بلوغ درجة الكمال
ولتحويل الرغبات والأفكار الإنسانية إلى وقائع ملموسة، لا بد من العمل والملاحظة والصبر، فالعمل هو المحرك المبدئي لجميع العناصر المختلفة لبلوغ الهدف الأوحد، والملاحظة هي البصيرة في إجراءات العمل وتصويب عثراته، والصبر هو الطريق إلى الإبداع في العمل والوصول إلى أفضل نتائجه.

قصة الإنسان مع الطيران خير مثال على ذلك، فمع كل التضحيات والتجارب غير الناجحة استمر في تصحيح أخطائه وإعادة محاولاته من دون تغيير هدفه، حتى تمكن في نهاية المطاف من التحليق في السماء وعبور الأجواء بين مختلف قارات العالم بسلاسة ويسر.

ومع ذلك، فلا نزال نُفجع بين الحين والآخر بحوادث الطيران وخسائرها المحزنة، بل وتتصدر نشرات الأخبار والعناوين الرئيسية بصورها وتفاصيلها المحزنة، لكن مع ذلك يستمر هذا الإنسان في التحليق والسفر.

على حسب آخر الإحصاءات قبل الجائحة، هناك أكثر من 100 ألف رحلة حول العالم وما يقارب من 10 ملايين مسافر يومياً، هنا ندرك أن التوقف مخالف لطبيعة البشر وولعهم دائم للحركة والترحال.

الحكمة تكمن في البحث عن أفضل الحلول وإن تعسر تمامها، فكما يُقال في قوانين مورفي لسوء الحظ: «الحل الجديد يخلق مشكلات جديدة»!

إن النجاح رفيق الصابرين. والأفكار المبدعة في حاجة لبيئة حاضنة من المثابرة والثبات على الهدف، والتحفيز الدائم مفتاح لكل طريق مهما تعرجت مساراته، والعقبات لا تظهر إلا للذي يعمل ويجتهد، فلا تثنيه عن غايته ولا تغير وجهته، بل تزيد من همته وتقربه من هدفه يوماً بعد يوم، وما لا يدرك كله، لا يترك جله.