السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الإمارات.. نهاية زمن الأقلام المبتورة



حضرتُ قبل سنوات العرض الأول لفيلم the reader، في واحدة من دور العرض المحلية، وأثناء مغادرتي القاعة تشكَّل في ذهني سؤال:
هل ما شاهدته كان فيلماً متكاملاً، أم مجموعة مشاهد مجتزأة تم لصقها ببعض؟ ظل هذا السؤال يجول في خاطري، حتى سمعت أحد المغادرين يقول لصاحبه: «هل يجوز من الناحية القانونية عرض فيلم مبتور بهذه الطريقة؟».
في هذه اللحظة تحديداً أدركت أن الفيلم تعرض لعملية تقطيع شرسة، وكانت النتيجة أن الجميع خرج، وهو يصفق كفاً بكف.. فلا هو شاهد فيلماً كاملاً، ولا هو احتفظ بماله!

فور عودتي للمنزل، قمت بتحميل الفيلم عبر الإنترنت، وفي هذه المرة كانت متعة المشاهدة كاملة.. فالسياق الدرامي مترابط، والقصة مفهومة، والرسالة الإنسانية التي أراد المخرج توصيلها واضحة.


في تلك الأيام، لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي معروفة كثيراً في المنطقة العربية، وكان الجميع منخرطاً في عالم المنتديات الجميل، وأذكر أني كتبت عن هذه الحادثة يومها، فجاءت الردود متفقة على رأي واحد.. مفاده أن كثيراً من الأفلام غير قابلة للتقطيع، فإما أن تعرضها كاملة، وإما أن تعتذر عن عرضها من الأساس.. وهذا الأمر فيه وضوح مع الجمهور، واحترام لحقوقه المادية.

الإمارات احترمت حق الإنسان البالغ الراشد في اختيار ما يناسبه ووضعته أمام مسؤولياته

هذا الكلام في 2009، ونحن اليوم في بدايات 2022.. أمور كثيرة تغيرت، ومفاهيم كثيرة تبدلت.. وما عاد الإنسان العربي بمعزل عن ثقافات الأمم الأخرى بكل ما فيها من انفتاح وتحرر، والفيلم الذي يتم تصويره على جزيرة إبيزا الإسبانية اليوم، يتاح بعد أسابيع قليلة في معظم البيوت العربية.. الأمر الذي جعل من الرقابة على الأفلام عملاً لا طائل منه، والمشاهد التي تحذفها الرقابة عنك في السينما، تجدها في متناول يديك بمجرد اشتراكك في واحدة من الشبكات الترفيهية واسعة الانتشار.


فور الإعلان عن قرار مكتب تنظيم الإعلام التابع لوزارة الثقافة في الإمارات عن السماح بعرض الأفلام بنسختها الدولية، وإدراج فئة +21 ضمن التصنيف العمري للمشاهدة، تعالت صيحات الاستهجان من بعض الجهات المعادية، وحاولوا تصوير الأمر على أنه محاربة للإسلام وانسلاخ من الهوية العربية والإسلامية.. وهذا الكلام- من دون شك- عارٍ تماماً من الصحة.. فكل ما في الأمر أن الإمارات احترمت حق الإنسان البالغ الراشد في اختيار ما يناسبه، ووضعته أمام مسؤولياته الاجتماعية والأخلاقية.. وهو أمر إيجابي للغاية، ويصب في خانة احترام الحريات الخاصة.. ويُحسب للإمارات- طبعاً- لا عليها.