الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

فخ الاستقلالية المطلقة

مع انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، تم تداول صور كثيرة تظهر فيها جموع غفيرة من المصلين يفترشون الطرق والميادين العامة، خصوصاً في المناطق التي تكثر فيها الجاليات المسلمة، وتم تفسير ذلك على أنه حنين جارف للدين، بعد سنوات طويلة من محاربة الأنظمة الشيوعية له.

أميل للاتفاق مع هذا التفسير، لأن الدين في جوهره عقيدة، والعقيدة في جوهرها أفكار، والأفكار لا تموت.. مهما حوربت.. إلا إذا حلت محلها أفكار جديدة أكثر منطقية وإقناعاً.. وهذا ما لم يحدث في الحالة المذكورة، وقد لا يحدث أبداً في أي مكان في العالم.. لأن الإنسان بطبيعته في حاجة ماسة إلى ارتباط روحاني مع خالق عظيم، يلجأ إليه في أوقات حاجته، ويفوض إليه الأمر في أوقات ضعفه وعجزه، وبدون هذا الارتباط يعيش حالة توهان، وعطش شديد.. ليس بمقدور كل ماديات الدنيا أن تطفئه.

أصحاب الأطروحات المتمردة على الدين وقيم المجتمع يروجون لفكرة اكتفاء الإنسان بذاته، ويرون أن الحياة يمكن أن تستمر دون زواج، وبدون الانتماء لأسرة، وبدون عبادة الله، لكنهم في فترات معينة من حياتهم يستيقظون من غفلتهم ويدركون فداحة الأخطاء التي وقعوا فيها.. فيثوب الكثير منهم إلى رشده، ويكابر البعض، ويستمر في رحلة شقائه.

اختراق الفرد الواحد، أسهل بكثير من اختراق الفرد المنتمي لمجموعة كبيرة.. سواءً كانت أسرة، أو قبيلة، أو مجتمعاً كاملاً،

مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وجد هؤلاء قنوات واسعة الانتشار لبث أفكارهم، وانساق إليهم الكثير من المأزومين في حياتهم الاجتماعية ممن تعرضوا للحرمان، والعنف المفرط من آبائهم وأزواجهم وإخوانهم.. فحدث ربط خاطئ بين سلوكيات بدرت من أفراد محدودين، وبين منظومات الأسرة والمجتمع والدين.. وبدلاً من أن ينفروا من أشخاص بعينهم، نفروا من هذه المنظومات كاملة.

لا أريد أن أجزم بوجود رابط خفي بين تيارات الإلحاد والنسوية المتطرفة والمثلية الجنسية، لكن التخادم الملحوظ بينها يثير الكثير من الأسئلة، ويدفع نحو الشك بوجود قوى عالمية متوارية عن الأنظار، تدعمها في الخفاء.. سعياً لتحقيق أهداف مريبة، لست على اطلاع كافٍ بها.

من وجهة نظري -وقد أكون مخطئاً- الحفاظ على كيان الأسرة هو الخطوة الأولى في سبيل الخروج من حالة الفوضى التي يشهدها العالم حالياً، فمفهوم الأسرة يقوم على فكرة تبادل الرعاية بين الأفراد، فيتلاشى مفهوم الاستقلالية المطلقة، ويحضر بدلاً منه مفهوم الاستقلالية النسبية، وهذا ما لا تريده هذه التيارات.. لأن اختراق الفرد الواحد، أسهل بكثير من اختراق الفرد المنتمي لمجموعة كبيرة.. سواءً كانت أسرة، أو قبيلة، أو مجتمعاً كاملاً، تجمع ما بين أفراده عادات وتقاليد وقيم مشتركة.