الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

حق الليلة أم حق الـ"show “؟!

بعد أن قضى ساعات عمله الـ9 وهو في حالة شد وجذب مع مديره، الذي قرر أن يحرمه من علاوة الخدمة الإضافية اليومية خرج «بوسالم» ممتعضاً، فذلك المبلغ كان كفيلاً بسداد المطلوب لتجديد عقد صيانة سيارته الفارهة والذي يتجاوز الـ7000 درهم.. ولكن لم يعق هذا الأمر بوسالم من التصرف عبر مكالمة لموظف البنك يطلب فيها إيداع راتب مقدم، وفي الأثناء أخرج بطاقته ليدفع نحو 500 درهم قيمة تعبئة الوقود، وقبل أن يبتلع ريقه جاءته مكالمة من «أم سالم» لتخبره بأن مدارس الأطفال ستقيم احتفال ليلة النصف من شعبان، وأبناؤه الثلاثة يرغبون بتوزيع الحلويات والهدايا الخاصة على أقرانهم، الذين يبلغ عدد كل منهم في الفصل الواحد 30 طالباً.

رد بو سالم: «لا بأس.. سأقلهم عصراً إلى السوق القديم».. وقبل أن يكمل جملته باغتته زوجته قائلة: "لا تتعب نفسك لقد طلبت من تاجرة أن ترتب لي وكل اللي عليك تحول لي مبلغ 1800 درهم فقط، وفوقهم ألفا درهم لجلسة الضيافة التي سأجهزها يوم الاحتفال بالبيت لأهلي وصديقاتي، و3000 درهم لتاجرة تجهز الأكل الشعبي، وفوقها 3000 درهم أخرى لتاجرة أخرى خطت عندها أثواباً تراثية.. تعرف لازم بياض الويه !"

لا تتعب نفسك لقد طلبت منها أن ترتب كل شيء، وكل اللي عليك تحول مبلغ 1800 درهم فقط!

هذه مصروفات عائلة واحدة في مناسبة شعبية واحدة يطلق عليها محلياً «حق الليلة»، والتي يفترض أن يكون هدفها الأساس هو إدخال البهجة على نفوس الأطفال والأقارب بمناسبة قرب رمضان بحلويات تراثية بسيطة توضع في «خرايط» أي أكياس يدوية بسيطة يدوية الصنع.. تحولت إلى مظهر من مظاهر البذخ و مصدر رزق وربح طائل للتجار ومحلات التجزئة والحلويات والضيافة، لتخرج مناسباتنا اليوم من جوهرها الإنساني إلى المادية المبالغة.

يتسابق حينها المتسابقون لوضع صور على السوشال ميديا تعكس هذا الترف الجامد.. فيتحول التقليد الشعبي من حق الليلة إلى حق الاستعراض و«الشو»!

لا تكتفي بعض النساء بالاحتفاء عبر الأكل والحلويات بل تلجأن إلى تخصيص هدايا للكبار من مشغولات ذهبية وأطقم الضيافة المنزلية وسجادات الصلاة المطرزة بالأسماء وغيرها من الإهداءات، لتأتي في إطار احتفال مصاحب يطلقن عليه بين قوسين.. "تهادوا تحابوا."..!

ألم يحن الوقت للعودة إلى الحياة الاجتماعية البسيطة الخالية من التشدق والتكلف، ذلك على الأقل في مناسبات تغرس في نفوس الأجيال مفاهيم المشاركة الحقيقية والاعتدال في الإنفاق والابتعاد عن المظاهر المبتذلة التي ترهق النفوس والجيوب؟!