الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

هكذا يولد الحب

يندهش البعض، وهو يرى مشاعره تنقلب تجاه شريك حياته، من حب جارف إلى نفور وكراهية.. ويتساءل حينها بحيرة وقهر: «ما الذي تغير؟».

الإجابة عن سؤال سهل متمنع مثل هذا ليست سهلة، وتحتمل أسباباً عدة.. منها على سبيل المثال لا الحصر.. أن الطرف الآخر تغير، ولم يعد بالصورة التي كان عليها في بداية العلاقة.. ومنها أن الرؤية لم تكن واضحة بما يكفي، فتم الاختيار بناء على معطيات خاطئة، ومنها أيضاً أن الظروف التي كانت محيطة بطرفي العلاقة تبدلت، أو لم تعد موجودة من الأساس.

إلا أن كل هذه الأسباب ليست موضوع بحثنا اليوم، وإنما طبيعة الشعور نفسه.. هل كان حباً حقيقياً، أم شعور زائف ظننا في لحظة ضعف أوحاجة أنه حب؟!

من يحبك بصدق سيأتيك في جميع حالاته.. القوة والضعف.. الاستغناء والحاجة.. الانشغال وأوقات الفراغ.. من يرغب في الاحتفاظ بك في حياته لن يخضعك لاختبارات صعبة.

في حالات كثيرة، يخطئ الواحد منا في تفسير مشاعره تجاه طرف آخر، ويسيء فهمها.. فيخلط ما بين الشفقة والاهتمام، وما بين الاحترام والإعجاب، وما بين الارتياح والانجذاب، وفي حالات كثيرة يحدث الخلط من الجانبين، فتتعقد الأمور أكثر.

يقول ماريو سالاس: «هكذا يولد الحب.. يأتي أحدهم إليك، ولا يطلب شيئاً.. لا شيء على الإطلاق، ولا حتى الحب».

وأنا أقرأ هذا التفسير الشفاف لطريقة ولادة الحب، استوقفتني بساطته، وكثيراً ما كنت أرى أن العمق الحقيقي يكمن في البساطة، تماماً مثل أغنيات فيروز.. بسيطة جداً في كلماتها وألحانها، لكنها خلدت في ذاكرة الجمهور العربي، وما يزال يرددها حتى اليوم.

من يحبك بصدق سيأتيك في جميع حالاته.. القوة والضعف.. الاستغناء والحاجة.. الانشغال وأوقات الفراغ.. من يرغب في الاحتفاظ بك في حياته لن يخضعك لاختبارات صعبة، ولن يكثر عليك المطالب والاشتراطات، ولن يضع مصالحه فوق مصالحك، وهذا النوع الصادق والنقي والأصيل من الحب هو ما نحتاج إليه في حياتنا، لأنه يضيف إلينا الكثير، ويسد الكثير من جوانب النقص في شخصياتنا، ويدفع بنا دائماً إلى الأمام.

أما حب المصالح، وسد أوقات الفراغ، فهو شعور زائف.. لا يمكن أن يرتقي إلى مرتبة الحب.

يبدو الكلام وأنا أكتبه سهلاً، لكن في الواقع من الصعب جداً التمييز ما بين الحب الحقيقي، والآخر الزائف.. لأننا نكون في حالة نصف وعي، نندفع فيها لتصديق عواطفنا، ولا نلقي بالاً للعقل والمنطق.

ولذلك أقول دائماً إن الإنسان معذور في أخطائه الأولى، خصوصاً لو كانت بسيطة.. أما أخطائه الثانية والثالثة والعاشرة، فهو الملام فيها دون شك.