الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

حروب أمريكا.. و«قاع البحر»

قيل إن أردت أن تستبيح أيّ منطقة، أو تمتلك أيّ مكان، أو تعيد تركيب وتشكيل أيّ إقليم أو مجتمع، فليس أمامك أفضل من أن تشنّ عليه حرباً وتمارس عليه احتلالا، فبالحروب ربما تستطيع فتح كل ملفات الآخر والعبث بكل تاريخه وممتلكاته ومحاولة صياغة واقعه ومستقبله وفق ما تريد وتخطط.

هناك نظرية اسمها «قاع البحر» جوهرها أنّ سطحه دائما ما يكون هادئا ومتجانسا وواضحا وطبيعيا، أمّا القاع فعالم آخر من الكائنات والموجودات والتشكيلات حيث المجهول والتناقض والصراع والخطر، فإن أنت استطعت أن تصعد بما في القاع إلى الأعلى فستحصل على سطح غير متجانس ومختلط ومتناقض ومتصارع وخطر حيث يمكن بعدها التحكم فيه بعد أن يدّمر نفسه بنفسه وهذا ما فعلته وتفعله أمريكا في بعض حروبها.

وأفضل مثال هو العراق، حيث طبّقت أمريكا هذه النظرية عليه، فحفرت في ماضيه وتاريخه ومجهولاته وصراعاته وتقسيماته ونسيجه وبيئاته ومقدراته وخيراته، فانتهكت كل المحرمات واستباحت كل المحظورات وعبثت بكل الملفات لتحاول امتلاك ماضيه وحاضره ومستقبله، تارة تنهبه وتسرقه وترهنه وتارة تخرج كل أزماته وتناقضاته وصراعاته لتعيد تشكيله وصياغته وفق النموذج المُعد له، بحيث تضمن بقاء واقعه مأزوما ومتوتراً ومتحاربا ومتنافسا وفاشلا ومدمّرا يسهل السيطره عليه بأقل جهد وخسارة.


وحتى تُبقي هذا السطح ملغوما وضائعا ومحطما جعلت كل قاعه في واقعه، فقامت بهندسة المشهد العراقي على الطائفية والعرقية والمناطقية وغياب الأمن والفساد وأغرقته بالديون والاتفاقيات وسنت له من القوانين والتشريعات والهياكل السياسية والمؤسسات المتحكمة ما يكفل استمراره في دائرة التحارب والتشاحن والفساد والتخلف والضياع.


فكم من المرات يا ترى طُبّقت هذه النظرية وسوف تُطبق في منطقتنا وفي العالم ؟..

إنّ بناء الأشياء قد يحتاج إلى سنوات وعقود وقرون أمّا هدمها فلا يتطلب أحيانا إلاّ إلى ساعات وربما أقل، فالتوافق والتوحد هو نتيجة أزمان من العمل والإرادة والتضحية أمّا التفرق والتصارع، فقد يحدث بسبب خبر أو قرار أو حدث، فكيف مع وجود قوة عظمى وتحالف دولي ظالم خطط وهنّدس ونفّذ عمليات التفريق والهدم والتدمير!.

أحد المعلقين البريطانيين تحدث عن ما جرى للعراق بالقول: «لقد خدعنا العراقيين بنشر الديمقراطية بينهم، والذي حصل أنّنا نشرناهم حول العالم».