الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

الاقتراب.. والاحتراق

سألني أحدهم وذبذبات من الحزن تنبعِثُ من سؤاله: كلما جال الفكر وجاد بخلاصاتٍ إبداعية تترجمها لمبادرة أو مشروع يخدم الصالح العام ويحقق قيمة مضافة، وجدت نفسك في شِراكِ المتربصين المغتالين المباغتين للعمل الدؤوب بسطوٍ مسلّح ليستحوذوا على بنات أفكارك، وليتهم يصنعون منها خبزاً نافعاً بل يحولونها رماداً وسراباً حتى توأد قبل أن تولد.

وحين تطغى عمليات السطو المباغتة عليك، تحجم عن الكلامِ مُؤثراً الصمت الممزوج بغصة في الحلق، وكأنك في سرادق عزاء تستدعي فيه مآثر من غادرنا وتتأمل هشاشة حياتنا؛ كيف لا وأنت لا تملك دليل إثبات حقك وثمرة جهدك المغتصب.. فماذا نفعل يا صديقي؟

يا صديقي الاقتراب من الآخر، مُفضياً إليه بخلاصة معرفتك وخبراتك عن صفاء سريرة وحسن نوايا ونبل غاية وروح معطاءة، ما هو إلا نقطة قوّة، إلا أنّ بعض الاقتراب احتراق، ميدانُ اغتيال وكأننا نعيش في متاهة معجزة عصيّة على الحل.. الاقتراب من الآخر بمكنون عقلك وشذرات فكرك، وبوح مقصدك سيعرّضك لسطوٍ تعود منه خاوي الوفاض، مثقل الفكر، منهك القوى، مستحضراً آلام النبلاء ومعاناة الفضلاء وملحماتِ الخير والشر.


الاقتراب من الآخر والبوح له بما اختزلته في نفسك من أفكارٍ وظلال ظلّت تجول برأسك وتنال من أوقاتِ راحتك، وتقطع عليك طيب المنام لأيام حتى خرجتَ من دوّامتها بمشاريع إبداعية، ليأتي من يستبيحها لنفسه ويقتصها لتصبح حقه المكتسب يدعيه بكل جرأة وانعدام أمانة أو يقضي عليها لتصبح والعدم سواء حسداً وبغضاً للخير المحض.


يا صديقي لا تقترب فتشقى، ولا تبتعد فتأسى ولا تبالغ بالاقتراب فتحترق كل فكرة أو مبادرة أو مشروع مبتكر، وعليك بصمت القلوب والسباحة في العقول، والتدبر في ملكوت علام الغيوب برداء اليقين بأن رب العالمين عادل أمين.. لا تحزن فمن وهبه الله ينبوعاً يغترف منه متى شاء، واستبيحت منه قطرات، فسيبقى متدفقاً ما دام القلب نابضاً، والعقل متيقظاً، والشغف حاضراً ومتجدداً.

لا تقضِ عمرك في الاندهاش لأنه سيطول، ولا في التعجب لأنه لن يزول، يا صديقي كلما ارتقيت اكتفيت واستغنيت وبتّ بمحرابك مرتاح البال هانئ الحال، بعيداً عن عوالم التكالب والتحاسد وسواد القلوب، لتمضي في رحلتك راضياً بعيداً عن خطر الاقتراب وآلام الاحتراق.