السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

تجفيف المنابع في العقل العربي التابع

من إبداع الخداع الذي لا نهاية له جَعْل الدين تابعاً لا متبوعاً للنظريات والاكتشافات الحديثة، واعتباره عربة يجرها حصان كل شيء في هذا العالم.. أي جعل الثابت تابعاً للمتغير والدين ثابت، لكن كل ما اخترعه واكتشفه وابتدعه البشر متغير.. فكلما فتح الغرب جحر ضب سارع العرب بدخوله خلف أهل الغرب وقالوا: إن الإسلام أول من دعا إلى هذا، وأول من نادى بذلك، من ذلك قولهم: إن الإسلام أول من دعا إلى حقوق الإنسان، وأول من كرم المرأة، وأول من تحدث عن الاكتشافات العلمية الحديثة.. إلخ.

كل هذا لأن العقل الجمعي العربي إذا افترضنا جدلاً وجوده عقل تابع وليس عقلاً مبتدعاً حراً مستقلاً، وفرض هذا العقل المتبِع تبعيته على الدين نفسه.

الإسلام بريء من الدعوة التحريضية التخريبية المسماة مواثيق حقوق الإنسان، وخصوصاً حقوقه في الخطايا والرذيلة، وقد قدم الإسلام حلاً عبقرياً لهذه القضية بأن جعل حقي واجبك وواجبك حقي.. فلا حقوق لمن لا يؤدي واجباته.. بل إن القرآن الكريم سمى الواجب نفسه حقاً في قوله تعالى: «وفي أموالهم حق للسائل والمحروم».


والإسلام يعاقب من يترك واجبه لكنه لا يعاقب من يترك حقه فضلاً أو عفواً أو عجزاً، وقد قال أحد واضعي مواثيق حقوق الإنسان: استبعدنا الله تماماً ونحن نصوغ هذه المواثيق، فلا شأن له بأمور الدنيا.. ثم يأتي العرب ليقولوا: إن الإسلام أول من وضع وثيقة لحقوق الإنسان، وهي ليست كذلك أبداً.


وكل الحقوق التي تحدث عنها الغرب وردت في النصوص الدينية كواجبات، كما في الحديث النبوي (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته..)، كما أن كلمة حقوق فيها قولان لكن كلمة واجبات ليس فيها أي لبس، فقد يطالب المرء بما ليس حقه، لكنه لن يستطيع المماحكة والمناكفة بأن هذا ليس واجبه.. حتي قوامة الرجل على المرأة التي أدخلناها عنوة ضمن حقوق الرجل ليست سوى واجب عليه لا حق له.

وليس صحيحاً أبداً أن الإسلام أول من كرم المرأة ولكن الصحيح أنه كرم بني آدم (ولقد كرمنا بني آدم) والصحيح أيضاً أنه كلف المرأة والرجل بواجبات إذا أدياها حصلا على حقوقهما، وسنظل ما بقيت لنا بقية نحاول تجفيف المنابع في العقل العربي التابع.. فلا تقولوا أيها العرب إننا مختلفون.. بل قولوا إننا متخلفون!!