السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

جدلية العلاقة بين المثقف والمؤسسة

كنت قد شاهدت تسجيل فيديو، مؤخراً لجلسة نقاش نظمتها مجلة «القافلة»، بالتعاون مع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض في عام 2019، تحدث فيه الناقد والمفكر الدكتور سعد البازعي أستاذ آداب اللغة الإنجليزية غير المتفرغ بجامعة الملك سعود، عن علاقة الفرد المثقف بالمؤسسة الثقافية، وهي قضية قديمة مهمة.

وصف الدكتور سعد أنها علاقة حميمة وذات إشكالية في الوقت نفسه، واستشهد بأطروحات الباحث والمفكر إدوارد سعيد، الذي قدم مفهومي «البنوة» و«التبني» في هذا السياق، حيث شرح الدكتور سعد أننا كلنا أبناء الثقافة، ولكن المؤسسة تتبنى المثقف الذي يبحث عن مظلة تدعم إبداعه ليصل إلى المجتمع بالطريقة التي تحفظ له مكانته.. من جانب آخر، تحتاج المؤسسة إلى المثقف المستقل الذي يذكرها بأنها تواجه مشكلات داخلية، وذكر البازعي أن «البيروقراطية» و«الأنظمة» تثقل هذه المؤسسة، وتصبح العلاقة هنا «نقدية»، إذ إن المثقف الجاد لن يستسلم بسهولة لكل هذه القيود، وتحدث الدكتور أنه عاش شخصياً كمسؤول في مؤسسة، ومثقفاً خارج المؤسسة، وشجع مناقشة هذه العلاقة الجدلية بهدف الوصول إلى وضع صحي أكثر.

والمثقف صانع للتغيير بالضرورة، أو مساند له، فلا يمكن للمثقف أن يكون سلبياً تجاه موقف يراه في صميم مجاله أو مجتمعه دون أن يسهم في التغيير إما قولاً أو فعلاً، ضمن الأطر الميسرة والمتعارف عليها.


وكما ذكر أستاذ النقد والأدب الدكتور أحمد يحيى علي، في كتابه «الأدب وصناعة الوعي» الصادر عام 2017، أنه «إذا كان الكتاب بمثابة القلب بالنسبة إلى الإنسان، فإن هذا الإنسان هو سر الحياة في هذا العالم».. فبعد أن نقوم ببناء هذا الإنسان الذي يتخذ من الكتاب نديماً، وبعد أن تشكل شخصيته المعارف والخبرات التراكمية، كيف لا نتوقع منه أن يقلب الأفكار يمنة ويسرة مجدداً ومفكراً؟.. فالكتب لا تصنع التغيير، بل الإنسان.


وكي يصنع المثقف الإنسان أي تغيير، لا بد أن يملك حساً قيادياً مسؤولاً، ذلك أن القيادة هي المفتاح لإرساء أي نهج تنموي داخلي وخارجي، وكي نتمكن من صياغة أي مشروع ثقافي، علينا أن نستحضر كافة الأدوات المتاحة، ونتعلم كيف يمكننا صنع شيء مستدام لا يعتريه الذبول، وهذا بالضرورة يتطلب انفتاحاً حقيقياً مع النفس أولاً، والآخر ثانياً.