الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

معايير شعبية

منذ عدة سنوات تطلبت وظيفتي الجديدة إلمامي بالإدارة المالية، وقبل ذلك بسنوات كانت عندي عقدة من مدرس الرياضيات، مع أنني كنت ممتازاً في الكيمياء والفيزياء، فحاولت أن أستوعب المسألة وأنا مقبل على وظيفتي عن طريق الكتب والدورات، إلا أنني عانيت من (ثقل دم المادة)، فلجأت إلى صديق أثق في قدراته على شرح أي شيء حتى (في الذرة)، ويكفي أنه كان رئيس بنك ليشرح لي الأمور المالية وخلال 3 أو 4 جلسات فهمت أساسيات الإدارة المالية بطريقة غير تقليدية لدرجة أني كنت مستغرباً أنّ ما علمني إياه موجود في الكتب التي قرأتها، ولكن بطريقة أكثر تعقيداً فقال لي كلمته الواثقة: (احسبها حسبة بدو) كناية عن عدم (التفلسف والتمطيط مع الدخول في المفيد)، ومن يومها أصبحت الإدارة المالية صديقتي.

قد تسافر إلى دولة وتعجبك وتعود لتشرح لأصدقائك عنها، فيسألك البعض هل أسعارها غالية؟، فلا تمتلك تقريراً اقتصادياً عن مستوى الغلاء والتضخم في تلك الدولة فيسهلها عليك أحدهم ويسألك: (الذبيحة عندهم على كم بفلوسنا؟)، وهذي بعد (حسبة بدو) بدون تقارير ومؤشرات وسهم طالع وسهم نازل (عطاك إياها من الآخر).

استوقفني هذا الأمر حيث إن لكل طبقة قدرتها على وضع معيار اقتصادي خاص بها يناسبها لفهم وإدراك مادة معقدة، فمثلاً المزارعون يسألونك عند سفرك عن سعر الطماطم، وهو خير مؤشر على مستوى الغلاء في تلك المناطق، والتي تدخل الطماطم في معظم أكلاتهم وهذا طبعاً غير من يسأل عن سعر ساندويتش الشاورما في لندن بكم، أو يسألك عن سعر الفلافل بكم أو طبق الكشري بكم أو سعر فنجان القهوة لماركة معروفة للمشروبات السريعة بكم؟


وهناك من ربعك من المقاولين يسألونك عن (سعر طن الحديد بكم) لأن معدل الإنتاج وسعر البيع له علاقة بشركات المقاولات المرتبطة بنشاط شركات التطوير العقاري، وطبعاً يؤثر ذلك على جميع شركات ومصانع مواد البناء والمفروشات والأجهزة الكهربائية وغيرها، فهي سلسلة منافع أشبه بالدائرة حيث منفعة قطاع معين تجر معها منفعة لقطاعات أخرى، وبذلك يمكن معرفة الوضع الاقتصادي لأي منطقة عن طريق هذه المؤشرات بدون النظر في التقارير الاقتصادية الرسمية التي من الممكن أن تخفي ما يجب أن يعرف بدون مكياج وتلميع في الصحف.