الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الخطاب المطلوب لا متطرف ولا منحل

ما من عاقل في هذا الكون الفسيح إلا ويرفض الخطاب الديني المتشدد أو المتطرف، وهذا الرفض ينبغي أن يمتد ليشمل الخطاب الديني اللعوب أو الشاذ، الذي لا يرضى عنه الدين من قريب أو بعيد، فكلا الخطابين منحرف ومرفوض من أفراد ومجتمعات المسلمين.

إن الخطاب الديني في هذه الفترة صار مشاعاً بين الناس أجمعين، ومباحاً لغير المؤهلين، بل وحتى غير المتخصصين، وصار مطية للمنتفعين، وللمتاجرين بالدين، وزاد من هذا السوء افتراءات غير المتخصصين على المتخصصين، والتقدم عليهم ومحاولة النيل منهم، ما سبب تداخل الأمور على الناس وإرباكهم، ودخول مجموعات منهم في سلك المتطرفين والمجرمين، ودخول الطرف الآخر في طريق التسيب والانحلال، والسبب في هذا كله أعيده فيما أعيده إلى تغييب أهل العلم الحقيقيين، وخاصة أولئك الذين ميزهم ربهم، سبحانه وتعالى، بالحكمة والعقلانية.

إن الخطاب الديني المقبول هو الخطاب الذي يعود بالناس مباشرة إلى القرآن الكريم، والسنة الشريفة الصحيحة، ويعود بهم إلى ما أجمع عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم، وتعارفوا وتآلفوا عليه، وهو الخطاب الذي تمت تنقيته من الموروثات والعادات والتقاليد والثقافات المخالفة، أو التي لا توجد نصوص شرعية صريحة تؤيدها، أو المغلفة بالدعوة إلى التفلت من القيم والشيم والأخلاق الفاضلة.


إن علاقة الخطاب الديني الصحيح بالواقع ومع الواقع علاقة متلازمة، فهو يقوّمه، ويساهم في ضبطه، ويسعى من أجل تصحيحه، ويسايره في حدود عدم تمرير أو تبرير الذي لا يتفق مع العقل السليم، والمنهج في هذا كله يعتمد على السنن الإلهية التي أرشدنا الله، سبحانه وتعالى، إليها كسنة التوازن والتعارف والتدافع والتكامل، ويعتمد على المبادئ والمقاصد والأسرار والحكم والقواعد الشرعية المختلفة، من مثل رفع الحرج، والمشقة تجلب التيسير، والضرورات تبيح المحظورات، وكلما ضاق الأمر اتسع، وغير ذلك.


إن إصلاح الخطاب الديني لا يعني انشغال المتخصصين بتطوير الأحكام وتيسيرها فحسب، فهناك اتجاه آخر مهم وهو تطوير العقلية الدينية عند الناس، لنجعلها تراجع بنفسها العلاقة بين الدين وقضايا الدنيا، وتفهم ـ مثلاً ـ أن الاهتمام بالوضوء مقدم على الاهتمام بالصلاة، وأن الاهتمام بالصلاة مقدم على الاهتمام بالمسجد والجامع، وأن الاهتمام بتلاوة القرآن العظيم وحفظه، ليس بأولى من الاهتمام بمعانيه وتعاليمه.