الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

وسط الزحمة هناك رحمة

يقول الحق، سبحانه وتعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (البقرة 185)، و«وما جعل عليكم في الدين من حرج» (الحج 78)، ويقول خيرة خلقة ورسوله، صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين»، و«يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»، وكلها نصوص تؤكد على الأخذ في مسائل الحياة المختلفة، والدينية منها بشكل أخص، بالأرفق والأيسر.

كمتخصص، يستوقفني كثيراً حديثه، صلى الله عليه وسلم: «مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به، لا عذر لأحد في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية، فإن لم يكن سنتي فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة»، والسبب أنه أتى معجزاً ومبشراً للناس بأنه ستأتي بعده مذاهب مختلفة في الفروع، وجعل ذلك رحمة، ومنح المكلَّف التخيير في الأخذ بأيها أراد، وأن كل المجتهدين على هدى، وكلهم على حق، ولا لوم على أحد، كما أن الخطأ لم ينسبه لأي منهم.

ووسط زحمة المفتين والمستفتين، تختلط على كثير من العوام الحريصين على عباداتهم الأمور والمسائل، وكل يخبط خبط عشواء، مع أن المقرر هو أن العوام من الناس لا مذهب لهم، وإنما هم متبعون لمذهب أهل بلدهم، ومذهبهم حينئذ مذهب من أفتاهم، ولم يكلفهم الشارع الحنيف إلا سؤال أهل العلم، وتقليدهم لهم، بموجب قوله تعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» (النحل 43)، وفقهاء الدين مجمعون على أن للعامي أن يقلد ما شاء من مذاهب العلماء كما يشاء، وفي هذا الصدد يقول الإمام القرافي، أحد أبرز الفقهاء المالكية، في كتابه «شرح تنقيح الفصول»: «.. من استفتى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أو قلدهما: فله أن يستفتي أباهريرة ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما وغيرهما ويعمل بقولهم من غير نكير..».


إن الاختلاف في الفروع الفقهية الدينية، باب عظيم من أبواب التوسعة على الناس، ومن عمل من العوام بقول من أقوال العلماء هو مصيب، وحتى لو كان مخطئاً فإنه معفو عنه، ولا يمكن لأحد إنكار الاختلاف أبداً، لأنه يمثل الرحمة، والسعة لحل قضايا الناس ومشاكلهم، وهو الكفيل لهم بالتعايش الخالي من التباغض والتدابر.