الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الصديق الكنز

ماذا أصاب عوالم الإنسان في عصر التواصل الرقمي الذكي؟ وماذا حصد في رحلته؟ وماذا افتقد وفقد في مجتمعه؟.

نصبح ونمسي على رسائل بأجمل العبارات عابرة للقارات، وأحاديث صوتية ومرئية تصل لأبعد الآفاق؛ ونجوب أجمل الأماكن بضغطة زر، ورغم ذلك تتزايد حالات الاكتئاب والانعزال.

شعور دائم بأنك في غربة، تريدها أن تتبدل إلى نشوة وليدٍ يحبو للمرة الأولى، وصدى بوحك لا يرتد إلا إليك، وساعات عمرك تتسارع؛ السنوات أضحت كحبات الرمال كثيرة العدد ولا يحصيها أمد، الكل في سباق لا تعرف نهايته ولا غايته.


وسط كل ذلك، يأتيك صوت صديق يبعد عنك مسافات؛ لا يسكن شاشاتك الرقمية أو سماعاتك الذكية، لكنك تستشعر دفء مودته، ونبض محبته، وتستأنس بكلماته، تمنحك اكتفاء واحتواء.. يستشعر غربتك فيحضر دون دعوة أو استغاثة، ويدرك اكتفاءك فيغيب دون ضجيج أو عتاب.


تسأل ذاتك: ماذا فعل بي صديقي كي يكون أنا الذي لست هو، وهو الذي كنت أتمنى أن يكون أنا؟، ولماذا في حضرته لست كما أكون في غيبته؟.

تجيب نفسك: إنه الصديق الكنز الذي تقاسمت معه دروب الأمس، ولحظات الأمل والألم، وصفحات من الانتصار والانكسار، كلما صفعتك الحياة وجدتَه ركناً ركيناً يشدُّ أزرك، ويشاركك أمرك، ويريح قلبك.

الصديق الكنز.. هو مرآتك الكاشفة، وضحكتك الهاربة، وذكرياتك المنسية، وقصتك الراوية.. في حضرته تبوح بمكنون الصدور، وتلتحف برداء الوفاء الراقي، وترتشف رشفات الدفء المفقود.. معين لا ينضب جمالاً.

الصديق الكنز.. هو الذي تستعذب معه شجون الحديث، حيث لا تجمل أو تزين بمساحيق وألوان، ولا تفاخر بنياشين وألقاب، ولا استعراض لممتلكات وأموال، فالقيمة معه ما تملكه الروح من رقي وتواضع وجمال.

الصديق الكنز.. هو الذي يحرر ذاكرتك المثقلة بأحاديث الأمل والفرح.. يدخلك عوالم لم تعكر صفاءها شوائب الزمن الهادر وضجيج المدن الغادر.. كلماته، عباراته وصوته لم تلوثها نصوص الرسائل المنقمة، والتغريدات المصطنعة.. دوماً يحضر ومعه بسمة، ولا يغيب عنك إلا وقد ترك بصمة، وصوته أمل وحياة.

إن وهبتك الحياة كنزاً في صديق، وصديقاً فى كنز فاحتفظ به.. كل كنز وأنت صديقه..!