الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

علينا التسليم

ذكر الإمام البخاري في صحيحه عن التابعي المشهور محمد بن مسلم الزهري عبارة جميلة وهي: «من الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم»، وهذه الكلمة توضح المنهج الصحيح في التعامل مع السنة النبوية الشريفة، فالنبي عليه الصلاة والسلام جاء بالوحي المطهر من الله تعالى، وعلينا أن نسلم بما جاء به سيد الثقلين، ولا يعني هذا ألا نبحث في معاني سنته فنقبلها دون فهم صحيح بل المراد التسليم والإذعان لما جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن أشكل علينا شيء تطلبنا فهمه ونظرنا في أقواله الأخرى وفي أقوال الصحابة الكرام والتابعين.
فكم من معارضات عقلية لنصوص السنة النبوية تبين أن سببها خطأ محض في فهم نصوص السنة النبوية، والخطأ في فهم السنة النبوية من أعظم أسباب الانحرافات الدينية المعاصرة، فالخوارج مثلاً حملوا ظواهر النصوص على أفهامهم المغلوطة فاستحلوا دماء الأبرياء وأموالهم، ومن أعجب ما مر من الانحرافات الفكرية المعاصرة أن بعضهم يدعو إلى الإباحية الجنسية ويستدل بأدلة شرعية، وهذه من الشطحات الخطرة التي ندعو للقضاء عليها في مهدها.
ومن صور عدم التسليم للسنة النبوية ردها، والشذوذ عن أئمة الإسلام في تضعيف الأحاديث الصحيحة، خاصة الأحاديث المذكورة في صحيحي البخاري ومسلم، فيتجرأ بعضهم على تضعيفها لأن عقله لم يتقبل الأمر، مع أنه لم يكلف نفسه بمراجعة المعنى والنظر في النصوص الأخرى لعلها تزيل الإشكال الواقع في فهمه، ولكنه وللأسف الشديد نظر إلى السنة النبوية بعين عوراء لا تقع إلا على جزءٍ من النص مع إهمال قد يكون متعمداً للنصوص الأخرى، فيقع في أمور تُضحك الثكلى لأنه خالف طريقة العلماء في التعامل مع نصوص السنة النبوية، والحملات المنظمة للتشكيك في الثوابت الشرعية لها أبعاد خطرة للغاية، فمن أهداف بعضهم رد الأحكام الشرعية جملة وتفصيلاً، والانحلال من التقيد بأوامر الدين، بل قد تفتح هذه الحملات أبواب التطرف والغلو، فمن طعن في السنة النبوية فكيف سيسلم بالسمع والطاعة لولي الأمر الجائر؟، وكيف سينظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام: ( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، لذلك نجد قادة حملات التشكيك في السنة لا يقبلون هذه النصوص لأنها تخالف العقل فوقعوا في غلو آخر.