السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

نظرية «الحدث التالي»

كثيراً ما نفترض أن لكل حدث سبب يسبقه، فنربطه به لا إرادياً دون الأخذ بالاعتبار مسببات أخرى ليست لها إطلاقاً علاقة مباشرة بالحدث، وقد يكون حدوثه كتوابع ظرفية لها، والتي لا تعني بدورها في حال حصولها مرة أخرى أنها ستقود إليه.

لنأخذ مثالاً يوضح المعنى، فقد نُسب لعالم النفس فلينسمارك قوله: «إن ظهور الأحذية في العالم الغربي قبل 1000 عام قد تبعه بوقت قصير ظهور أولى حالات المرض النفسي المعروف الفصام»، وبذلك صرح دون دليل علمي ودراسات بحثية معمقة ودقيقة على أن للأحذية دوراً بظهور الفصام، ومن دون أن يستدرك واضعاً بالاعتبار أسباباً أخرى أكثر منطقية كالتقدم والتحضر، وزيادة ضغوط الحياة والظروف المعيشية المستجدة والتقدم التكنولوجي والعلمي والحروب مثلاً.

ومن منطلق ومفاهيم علم النفس، تسمى مثل هذه الاعتقادات بفرضية «الحدث التالي»، حيث يؤمن العديد من الناس بأن وقوع أمر ما مرتبط حتماً بحدث يسبقه، وهو من الخرافات الدارجة بين البشر، والتي ترفضها الدراسات والأبحاث المتخصصة، نافية وجود ما يسمى بالرابط الوهمي، وداعية إلى رؤية الصورة من إطار أوسع، وتحليلها، بعيداً عن خرافة أخرى دارجة ومنتشرة، وحتى يخصص لها بعض المتخصصين دورات ونشرات يصفونها فيها بالحاسة السادسة والحدس، وربطوها بالظروف الزمانية والمكانية التي وقع بها الحدث.


والتشاؤم والتفاؤل، بدورهما لا بد من أن يكونا تطبيقاً عملياً واسع الانتشار بين شتى الشعوب والأمم، ففي الأذهان عادة ما يرتبط لدى النفس وقوع مكروه لشخص إن سبق رؤيته مثلاً ما درج عنده على أنه نذير شؤم، أو قيامه بعمل ستكون مآلاته حدوث أذية ستلحق بصاحبه.


والعين الشريرة والحاسدة لا تختلف كثيراً عما ذكرناه سابقاً، ومنها عمد البعض لردعها عبر التعويذات ولبس الخرزة الزرقاء، وبالطبع العديد والكثير غيرها من الطرق التي يسعى أصحابها من خلالها لرد أي ضرر ناتج عن نفس لا تتمنى لهم الخير.

في عصور الظلمة الأوروبية، كانت بعض هذه الممارسات أكثر تطرفاً ووحشية، فقد درج رجال الدين على وصف كل رأي مخالف لمعتقداتهم بالهرطقة والسحر، وجرى إيقاع عقوبات وحشية قاسية على من وُصموا بارتكابها، فكان مثلاً يُعمد لرمي من تُتهم بالسحر بالنهر، وهي مربوطة بحجارة؛ فإن طفت فهي ساحرة وستقتل، أما إن غرقت وهو الحاصل بسبب الأثقال المقيدة لها فهي بريئة، وبذلك ستموت بكلا الحالتين، دون أن يستدعي ذلك وعياً بخطأ تصرفهم.