السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الرعايا والكنائس.. شبهة ونقاش

من الشُبه التي ابتلي بعضنا بها الظن أن بناء الكنائس والبِيع حرام؛ ويزيد الطين بلة - كما يقال - الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾..

لا أدري كيف يمكن إغفال أن إسلامنا أمرنا بترك غيرنا وما اختاروه من أديانهم، ولم يُجبِرْهم على الدخول فيه قهراً، وسمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم سلامتها، وحرم الاعتداء عليها، وأَوْلاها عنايته.

يقول الحق تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، ويقول مقاتل بن سليمان: «كل هؤلاء الملل يذكرون اللهَ كثيراً في مساجدهم، فدفع الله عز وجل بالمسلمين عنها»؛ وكتب صلى الله عليه وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب، وأساقفة نجران وكهنتهم، ومن تبعهم ورهبانهم: «أنّ لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله، ألّا يُغَيَّرَ أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه؛ ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غيرَ مُثقَلين بظلم ولا ظالمين».


لا بد هنا من أن أذكر أن جماعة فيما مضى من الفقهاء قالوا بمنع إحداث الكنائس في بلاد المسلمين، ولا أشك في أنها أقوال لها سياقاتها التاريخية، وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها؛ فالدولة الإسلامية مرت منذ نشأتها بأحوال السلم والحرب، وتعرضت للهجمات والحملات الصليبية التي اتخذت طابعاً دينياً تكفل به جماعة من المنتسبين للكنيسة، وهو الذي دعاهم لتبني الأقوال المساعدة على استقرار الدولة الإسلامية والنظام العام.


إن الواقع الحالي تغير، ويقتضي تغير الفتوى المبنية عليه، فلا يصح جعل أقوال السابقين حاكمة على الشريعة، ومن يقول بذلك مطالب بالنص الصحيح والصريح الذي يمنع بناء الكنائس والبيع التي يحتاج إليها رعايا الدولة الإسلامية، مؤكداً على أن بقاء الكنائس والمعابد قديماً في بلدان المسلمين، واستحداث كثير منها، شاهد على احترام الإسلام لدُور العبادة، بما لم يتوفر لها في أي دين.