الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

الغياب.. وخوف الفقد

الغياب.. من المواضيع التي أشكلت عليّ في مراحل مختلفة من حياتي، ربما لأن أباءنا آثروا تربيتنا على فكرة الخوف من الفقد وليس العكس، بدءاً بتخويفنا من غيابنا عن البيت، أوغيابنا بعيداً عنهم، ووصاياهم وتشديدهم على ألّا نفقد كتابنا المدرسي أو مصروفنا اليومي أو لعبتنا الأثيرة وغيرها.

فبقوا يغذوننا على أهمية بقاء الأشياء وكأنها أوابد، وأصروا علينا الاحتفاء بها والمحافظة عليها ومغبّة السهو عنها أو فقدانها لأي سبب كان، وتناسوا فكرة تعليمنا وتوجيهنا في حال غياب أيّ منها، وكيفية التصرف في حال «فقدانها» دون أن ننكسر أو نُهزم وسبل تعويضها في حال إمكانية تعويض أي منها.

ومع غابة الخوف التي بقيت تمتد فينا، كبرت معها فكرة استحالة خسارة الأشياء في أذهاننا، وبقيت مسألة الغياب مرفوضة لدينا وفوق استيعابنا أو توقعاتنا إلى حين مواجهتنا الغياب الأول، هنا فقط يمكن استشعار الربكة الأولى واهتزازة الروح وارتعاشة القلب واختلال القوى، وشرود الذهن، الحالة أشبه ما تكون ببيت خُلِعَ بابه!


وبعد تتابع الغيابات في حياتنا، ربما كبرت في أذهاننا فكرة الفطام القسري، وازددنا يقيناً بألّا أحد لأحد، وبأن حقيقة وجود كل شيء في حياتنا ما هي إلّا محض ظل عابر، والظلال لا جذور لها!


الغياب مروّض ماهر، يعلمنا بتؤدة مهارة عدم التعلُّق بأي شيء وأحياناً عدم الارتباط بأي شيء، وكأننا محصنين ضد نوبات الحنين أوتأنيب الضمير أو الأسف، يجعلنا نتعاطى مع تشظياته كنوبة رشح موسمية، كلما ازددنا مناعة سارعت بالتلاشي، فمسألة الاحتفاظ بكل شيء فكرة غير منطقية، وبمجرد سقوط «المشيمة» عنها لا يعود هنالك مجال لبقائها ملتحمة!