الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

تأملات كورونية

أظهرت جائحة «كورونا» مدى هشاشة العالم في مواجهة الأزمات الصحية، ومجابهة المخاطر البشرية، وهو ما تسبب في حالة هلع غير معهودة، وتهافت على تخزين الأغذية والأدوية في أوروبا وأمريكا تسبب في خلو أرفف المتاجر.

لم تتوقف حالة الذعر والتخبط في الغرب عند ممارسات الشعوب، بل انتقلت عدواها للحكومات، حيث تتناقل وسائل الإعلام الغربية أخبار خطف وقرصنة متبادلة للأدوية والمعدات الطبية التي تستخدم في مجابهة الجائحة، حيث استولت «التشيك» على معدات طبية كانت في طريقها لإيطاليا، فيما قامت الأخيرة بتحويل مسار سفينة امدادات طبية كانت في طريقها لتونس، وتتناقل الأخبار كذلك استحواذ ألمانيا على 830 ألف كمامة متجهة من الصين لإيطاليا.

وغيّر «كورونا» الصورة النمطية لتعامل الدول مع شعوبها كذلك، فبينما طلبت بريطانيا وعدد من الدول الغربية من رعاياها تدبر شؤونهم في الدول التي يقيمون فيها، اثبتت دول خليجية في مقدمتها السعودية والإمارات أنها أكثر حرصا على شؤون مواطنيها ورعايتهم في أزمة عابرة للقارات، بل إن الدولتين قامتا بدور انساني يتجاوز حدودهما الوطنية ومدتا يد العون لدول أخرى عجزت عن مواجهة أعباء كورونا الإنسانية والصحية.


جعل الفيروس العالم أكثر شفافية على صعيد الالتزامات الأخلاقية والإنسانية تجاه مواطنية أو تجاه العالم، وأظهر ضعف بعض الدول وهزالتها أمام الجائحة بعد أن كانت تحاول الظهور وكأنها هي من يحكم العالم، في الوقت الذي برزت فيه القوة الحقيقية للتنين الصيني الذي أعلن عن استعداده لمد يد العون لأكثر من 80 دولة.


بدا فيروس كورونا في إحدى صوره كفيروس نخبوي، لم يستثن رؤساء دول كبرى وشخصيات فنية وسياسية وإعلامية بارزة، ولم يفرق بين رئيس دولة غنية وبين بائع متجول في العالم الثالث ولم يميز كذلك بين دولة وأخرى، بعد أن أكد على كون الأرض قرية كونية صغيرة حتى في نكباتها ومعاناتها.

استطاع الفيروس أن يغير الكثير من المفاهيم، فقد أصبح الأطباء والممرضون أكثر أهمية وشعبية من رجال السياسة والإعلام والمال، وهزت صور الاحتفاء الصيني بالأطباء والممرضين المغادرين لمدينة «ووهان» وتأدية جنود وضباط الشرطة التحية العسكرية لهم وجدان العالم ومشاعره.

وأعاد كورونا الاعتبار للعلم وفضح الخرافات بكافة أشكالها ومذاهبها، كما أعاد ترتيب قائمة الأولويات وبعثر الاصطفافات السياسية، بعد أن أثبت أن زمن التحالفات الاقتصادية والسياسية كما هو الحال مع «الاتحاد الأوروبي» وزمن التحالفات العسكرية كـ «الناتو» قد ولى، وأن العالم بات بحاحة لتحالف إنساني عابر للقارات، لمواجهة الأوبئة والكوارث الطبيعية.