الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الأنا المتحولة من الصورة

استوقفتني كلمة سيلفي التي احتفل بها قاموس أوكسفورد ككلمة السنة في عام 2013، لأبحث عنها من باب الفضول لمعرفة تاريخها، حيث اتضح لي وكما قرأت ظهورها لأول مرة عام 2002 في موقع أسترالي، أما الاسم المضاف له حرفا «ie» لإضفاء البعد العاطفي فمشتق من كلمة «self» الإنجليزية التي تعني نفسي، أي «أنا نفسي» وربما تعني «أنا وحدي» ومع تحوير قليل من قبلي سيخدم المعنى الذي أريد إيصاله؛ ستعني «الأنا» المتحولة من الصورة التي نحب أن نرى أنفسنا فيها، ويجدنا عبرها الآخرون كما نريد لهم أن يفكروا عنا؛ للنرجسية والذاتية المفرطة المفتعلة والبعيدة عن الواقع حتى لو تعارضت معه، وشكلت تناقضاً بين المؤمن به والظاهر المرئي للآخرين، الذي لم يعد يقود لواءه الشباب والمراهقون وإن كانوا في طليعة مستخدميه حالياً، فقد انضمت إلى عاصفته جميع الفئات العمرية والمجتمعية الطامحة بتدوين اللحظة للاحتفاظ بها، ربما بقدر يقل بكثير عن غاية أخرى وهي نشرها والاستعراض بها في العوالم الافتراضية المحيطة بنا من كل جانب، والمسيطرة على حياتنا دون أن نستطيع الاستغناء عن وهجها وهالتها المحكمة قبضتها علينا يوماً بعد آخر.

ربما أصبح من الصحيح القول: إن التكنولوجيا الرقمية لم تغير العالم بمقدار ما غيرتنا نحن مستخدميها بعد أن اختلف فهمنا لهذا الكون مفتوح الحدود، والذي يعد السمارت فون وإخوته التابليت والحواسيب المحمولة وسيلة تواصلنا مع بعضنا، ولساننا الذي استبدلناه برمزية الإيموجي اليابانية، حيث الصورة تتحدث دون أن تنطق، وحيث كلمة «مودتي» «وشكراً» نعبر عنها بباقة ورد، «وأشعر بالخجل» بوجه محمر الوجنتين، وغيرها من رمزيات أفقدتنا جمال عواطفنا الإنسانية الصادقة، فباتت جامدة مستهلكة المعنى وإن كانت رسمت له إلا أنها كحال السيلفي خالية من المشاعر، وربما استعراضية أكثر من كونها وجدانية، وتنبع من الذات في ظل خرسنا الإرادي، الذي فرضته الصورة الرمز التي تحمل في طياتها ما يرتسم على وجوهنا، ونريد قوله وفعله وإظهاره لمن في الطرف الموازي من العالم الآخر الافتراضي السريع الوتيرة والعملي مقارنة بالحقيقي، من حيث الاختصار المجرد من كل ما تتسم به طبيعتنا الإنسانية المختلفة عن الآلة، التي بتنا نعرف بها، وأضحت من تَسِمنا وتعرفنا برقم يسمى الآيبي (IP) فريد، ويمثل اسمنا في بحر الإنترنت لا نهائي الحدود.