الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الوحش الصغير

لو كان طفلاً لما استطاع أن يحبو في هذه السن، ثلاثة أشهر أو أربعة لا تكفي لاكتساب تلك المهارة، مع ذلك فتح العالم كله شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً، وهو في هذا العمر!.. فتوحاته في هذه المدة عجز عنها دارا والإسكندر وجحافل الاستعمار في سنوات أو عقود!.. قدرته على التشكل تفوق الخيال، يتخذ من تشكله تكتيكاً للتوهيم والتعمية على أعدائه في ساحات الوغى، أعداؤه هم البشر بشتى أعراقهم وأديانهم، لكنه يعرف كيف يفتك ببعض ويهادن بعضاً، يهادن الأطفال أو يعطف عليهم قليلاً، لكنه، مثل الإرهابيين، يستخدمهم جنوداً للفتك بأعدائه، ولعل حدبه عليهم نابع من كونه لو كان بشراً لكان طفلاً مثلهم، لأن الوحوش عادة لا تعتدي على نوعها.

انظر إلى تاجه وشكله الذي يظهر البراءة ويضمر المكر، فستدرك أنه أدهى قائد عسكري عرفه التاريخ، العالم كله يرتعد ويستسلم له في يأس، الجيوش بعد الجيوش والحصون بعد الحصون تتهاوى عندما يقترب، فيتوج نفسه ملكاً في كل أرض يفتحها أو بلاد يطؤها، واضعاً أعلامه فوق أعلى الأبراج، رمزاً لانتصاراته، دمر سد الصين العظيم، وعبث بتاج محل، وأهان برج بيزا المائل، وحطم كبرياء برج إيفل، ودنس تمثال الحرية، ولم ينجُ منه إلا المناطق الخالية من البشر مثل أركتيكا، لأن عدوه هم البشر.

جيوش العالم كلها عجزت عن دفعه، جيش يأجوج ومأجوج وجيوش العالم القديم والجديد رفعت له الرايات البيضاء وقدمت له الورود في مزهريات الذهب، استجداء لرحمته واستدراراً لعطفه.


يحسب زمنه بالثواني لا بالدقائق أو الساعات، فهذه بالنسبة له بمنزلة العقود والقرون بحساب البشر، كم من الزمن استغرق دارا والإسكندر لتحقيق انتصاراتهما التي لم تتجاوز جزءاً صغيراً من الكوكب؟ ومع ذلك تحطمت جيوش دارا في أربيلا (غوغميلا) ببلاد الرافدين، وخارت عزائم جيوش الإسكندر بعد فتح الهند، وانكسرت جيوش أحشويرش بن دارا في بحار الإغريق، فانتهت فتوحاتهم وتفرقت ممالكهم أيدي سبا.


أما الوحش الصغير، أو كورونا ذو التاج كما يسمونه، فلا يزال يواصل انتصاراته على البشر، معلنا حالات الطوارئ في الكون، فيا إلهي من سينتصر في النهاية؟ يقولون إن النصر في الجيل الجديد من الحروب يكون لذي الإرادة الأقوى، لكن مهما تكن النتيجة، فإن العالم سيتغير.