السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

لا مجال للتفاوض

الحرب كما عهدناها، هي نزاع مسلح بين دولتين مختلفتين وغير منسجمتين، لكلٍّ منهما هدف تريد تحقيقه، وينتج عنها في الغالب إعادة ترسيم الجغرافيا والسلطة وخارطة الاقتصاد، وإن كانت بداياتها التي تمتد لما قبل التاريخ، تأخذ شكلا أضيق نطاقاً، فتقتصر على صراع قبلي حول السيادة، ثم تحول إلى حرب بين المدن، ثم الممالك والإمبراطوريات، والشرح يطول إن أردنا أن نضرب أمثالاً، فلا تخلوا بقعة على الكرة الأرضية إلّا وكان لها ذكريات وتجارب مع حروب لا تهدأ.

لكننا اليوم نشهد حرباً لم نعهدها من قبل، حربٌ مع عدوٍّ غير مرئي، عدوٍّ لا يمكننا التفاوض معه، ولا الوصول إلى اتفاق، ولا يمكننا الاستعانة بوسيط يقرب وجهات النظر بيننا وبينه بهدف الوصول لنقاط التقاء، فيتنازل كلا الطرفان عن بعض طموحه لحقن الدماء، هو عدو أعزل، غير مسلح، لكنه تغلب على كل ترسانات القوى العظمى، بل لم يُعِر أدنى اهتمام أو اعتبار لمستوى تسلحهم، ولم يحدد هدفاً بعينه أو دولة دون غيرها.

عدونا في هذه الحرب، غَيَّرَ كل الحسابات، بل أسقطها، وجعلنا نراجع أنفسنا، ونبدأ الحساب من جديد، وذلك بعد التدارس للتوصل لحساب من نوع آخر يتوافق ونهج عدونا، رغم أنه لا يملك أية ثقافة وليس لديه إلمامٌ بالحساب من الأصل، حتى المقولة المعروفة التي نحفظها: «لا تحاور احمقاً فيغلبك»، هي الأخرى لا تنفع معه، فهو سيغلبك بكل الأحوال، حتى لو لم تحاوره.


علينا أن نعترف، بأن هذا العدو الضئيل للغاية اضطرنا لأن نعيد حساباتنا ونبدأ المعرفة من أول السطر.