الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أبو عبيدة بن الجراح والطاعون

في سنة 18 هـ (640 م) وقع طاعون “عمواس”، وامتد منها إلى بلاد الشام كلها، “عمواس” قرية قريبة من القدس، كان ذلك زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وكان أبو عبيده بن الجراح هو أمير تلك المنطقة، كان عمر يستعد لزيارة بلاد الشام وتحرك بالفعل، في الطريق وصله نبأ الوباء، فارتد ومن معه عملا بوصية النبي: “إذا سمعتم بطاعون في بلد لا تدخلوه وإن حدث في بلد أنتم به لا تخرجوا منه”، ولأن عمر كان يحب أبو عبيده - أمين الأمة - وكان يدخره لأن يجعله خليفة بعده أرسل إليه يستدعيه، يريد بذلك أن ينقذه من الوباء، وفهم أبو عبيده مقصد عمر، لذا استأذنه أن يبقى حيث هو، وبعدها أصيب ومات، فخلفه هناك معاذ بن جبل ومات أيضا بالطاعون، ومات كذلك عدد من الصحابة.

في أدبيات تلك السنة - بعض المؤرخين ذهبوا إلى أنها كانت 17 هجرية - لن نجد المسلمين انشغلوا ولا تساءلوا حول مدلول ذلك الوباء، ولم يطرحوا على أنفسهم تساؤلات من نوع: هل هو عقاب وانتقام إلهى ولا هل هو ابتلاء واختبار لهم أو أنه جند من جنود الله كما يتردد الآن، رغم أن الإسلام لم يكن انتشر بعد بين أهل الشام، كان إيمانهم أعمق وكانت عقولهم أنضج ونفوسهم أنبل، وانحصر همهم في مواجهة ذلك الوباء.

اهتم عمر بن الخطاب بإرسال الزاد والغذاء إلى المحاصرين بفعل الوباء، واهتم عمرو بن العاص وقد تولى المسؤولية بعد وفاة معاذ بأن يدفع الناس إلى الجبال، حيث الجو أهدأ إلى أن مرت الأزمة.


المشكلة في زماننا أن بيننا بعض من اعتبروا أنفسهم متحدثين باسم العناية الإلهية، وبهذه الصفة أو الوظيفة التي نصبوا أنفسهم بها راحوا يوزعون الجحيم والنعيم، الابتلاء أو العقاب على من لا يحبون من البشر أو من يحبون، فإذا كرهوا الصين قرروا أن “كورونا” عقاب وانتقام إلهي منها، فإذا وصلت كورونا إلى العالم الإسلامي وعطلت صلاة الجماعة قالوا أن الوباء ابتلاء واختبار للمسلمين وبعضهم قال إنها عقاب للمسلمين لأنهم ابتعدوا عن الإسلام، وقال آخرون أن الفيروس جند من جنود الله جاؤوا لإنفاذ المشيئة الإلهية.


إذا كان العقاب الإلهي أو الابتلاء والاختبار دنيوي فماذا يتبقى للآخرة؟،

ولو أن عمر بن الخطاب ومن حوله تساءلوا: هل طاعون “عمواس” عقاب وانتقام إلهي أو اختبار وابتلاء لهم، ما أقاموا دولة عظمى وما أسسوا حضارة كبرى.