الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

التعليم هو الحل

التعليم أساس التقدم والابتكار، وهو وحدَه الذي يستطيع إخراجنا من هذه الأزمات المتلاحقة التي نَمُرُّ بها من حُروبٍ أهلية وطائفية، وإرهاب، وفقر، وجهل، وتخلُّف، وأمراض.. إلخ.

وتاريخُنا الحديث يَشهد أنَّ معظم رهاناتنا في التنمية والنهضة ارتكزت على السياسة والقوَّة العسكرية، وكدنا نُهْمِل التعليم، فرُوَّاد النهضة العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، رغم إدراك كثير منهم لأهمية التعليم، انشغلوا (نظريا) بالجوانب الأدبية، والسياسية (الديمقراطية والحرية)، والاجتماعية (العدالة والمساواة)، وعلى النمط الغربي غالبًا.

نعم، لم يُهمِلوا التعليم، إلا أنَّهم لم يُعْطوه ما يَسْتَحِقُّ من عناية، ولو اهْتَمُّوا به عَمَليًّا لكُنَّا قد نهضنا كمَا نَهَضت اليابان والصين ودول آسيوية أخرى كثيرة، فكلُّ تلك الدول اهْتَمَّت بالتعليم وجَعلته شِعارَها وهدَفَها.


بدأت النهضة المصرية واليابانية في وقت واحد، وكانت مصرُ أفضلَ حالا من اليابان، لكنَّ هذه رَكَّزَت على التعليم (نهضة ميجي)، بينما انشَغَلْنا نحن بمحاكاة الغرب وتقليده، نعم تعرَّض العربُ للاستعمار والحروب، لكنَّ اليابان أيضًا دُمِّرَت تدميرًا كاملا بالسلاح النووي بعد الحرب العالمية الثانية حتَّى صارت أنقاضًا، إلا شَيْئًا واحدًا لَم يَستَطِع الحلفاءُ تدميره لأنَّه بُنِيَ في الأذهان وزُرِع في القلوب، ألَا وهو العلم.


اهْتَمَّ العرب في نهضتهم بتقليد الغرب واستنساخ تجربته (لا سيما التعليمية) فلم يتقدَّموا، وتقدَّمت الدولُ الآسيوية لأنَّها لم تَسْتَنسِخ، بل استفادت من تجارب الغرب وصَهَرتها في بُوتَقتها الخاصة وثقافتها وتاريخها من طريق التعليمِ الخلَّاق، كانَ أحدُ شعارات التعليم في اليابان "العلوم غربية والروح يابانية"، تلك الدول اقْتَبست العلوم الغربية دون الثقافة والفكر، واسْتَنسَخْنا نحن علومَ الغرب وثقافته وتفكيره ومناهج تعليمه، وبروح غربية أيضًا.

صَنَعت الدولُ الآسيوية نهضتَها بتعليم مُبدِع ومبتكر، فقد اعتبر "لي كوان يو" – مؤسِّس دولة سنغافورة وباني نهضتها – التعليمَ مَوْرِدًا لا يَنضُب، وقال في سياق حديثه عن معجزة بلاده: " إنَّه لم يَأتِ بمعجزة، ولكنَّه خَصَّص مواردَ دولته للتعليم وغَيرَّ حالَ المعلِّمين من طبقة يائسة بائسة إلى طبقة راقية، فصَنَعُوا المعجزة.

وباختصار، فإنَّ نهضتَنا كانت – ولا تزال – نهضةً فوقية تَتَعَاطاها نُخَبٌ قليلة بغير إبداع حقيقي، بينما ظلَّت بقيةُ شعوبنا تعيش في عالَم آخَر: عالَم الأُمِّيَّة والفقر! أمَّا نهضة اليابان فكانَ شعارُها "لن يكون هناك طفل جاهل"، وهذا ما تَحَقَّق.