الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

البيت.. وسحر الزوايا

يقدم يوري لوتمان في كتابه (سيمياء الكون) المسكن بوصفه (نقطة للتجذير بالنسبة لأفكاره المرتبطة بالتقاليد الثقافية، وبالتاريخ، وبالإنسانوية، وباستقلال الذات الإنسانية)، وهي ثيمة ترتبط بالقيمة المكانية والنفسية وبالتالي الثقافية للمسكن، فهو رمز ثقافي اجتماعي يحمل دلالات مرتبطة بالفضاء الداخلي (المغلق)، و(المحدد) ضمن زوايا معينة، ولذلك فإنه يمثل (الأمان)، و(الخصوصية)، و(فضاءات الحياة مع الآخر القريب).

إن المسكن/البيت أياً كان نوعه، يُعد فضاء له مدلولات مكانية لها قيم ثقافية تستمد قوتها من واقعها الاجتماعي، وقدرتها على التواصل مع الفضاءات المكانية الأخرى ضمن الفضاء الكلي للمجتمع، ولهذا فإن العلاقة التي يكوِّنها الإنسان مع فضاءات بيته تمثل خصوصية، وعلاقات عاطفية ذات أبعاد نفسية أكثر من كونها واقعية.. إنها علاقات قائمة على الإحساس، فالمسكن فضاء نأوي إليه بعد العمل للراحة والاسترخاء والنوم، للقاء من نحب من أفراد الأسرة، وهو فضاء ندعو إليه من نحب من الأصدقاء والمقربين لقضاء الأوقات السعيدة، هو نفسه قد يكون فضاء نفسياً مضجراً، أو تعيساً، عندما تتملكنا الوحدة أو الحزن.

إن المسكن بوصفه وحدة فضاء كلية يمكن أن تشكل تعقيدات من التفاصيل الدقيقة مهما كان حجمه، عبر أجزائه وزواياه، فهو ركننا في هذه العالم، والكون الحقيقي الذي يحمل بين جنباته تاريخ الأحاسيس والمشاعر (الفرح أو الحزن)، ولهذا قال غاستون باشلار في (جماليات المكان): «إن كل الأمكنة المأهولة تحمل جوهر البيت»، لأنها قادرة على حفظ تاريخ الإحساس بالأمان والدفء. ولأن البيت أصل هذا الإحساس فإنه يمثل في أيامنا هذه مصدر قوة الأمان، فالعالم كله يقول: «خليك في البيت»!


إن فكرة البقاء في البيت، والعمل من البيت، والدراسة في البيت، والتسوق من البيت وغير ذلك، كلها تدفع بقصديَّة إلى جعل البيت فضاء مستقلاً عن الفضاء الخارجي العام، الذي يمثل تهديداً من الأمراض ـ كما هي الحال الآن ـ لأنه ببساطة يجعل البيت يمارس قدرته العاطفية المبنية على الخصوصية والذاتية، ليصبح درع الحماية من خلال تلك العاطفة النفسية، التي نبدأ في ممارستها بالجلوس أو العمل في فضاءاتنا الخاصة في البيت (الغرف، أو المكاتب، أو الزوايا)، لأن لكل منا عالمه الصغير الخاص في منزله الذي يكوِّن منه طريقته في النظر إلى العالم، فلنستمتع بالبقاء في البيت ولننظر إليه بوصفه فرصه لتجديد العلاقة مع زوايانا الخاصة.