الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

كورونا وتقييد المباحات

من أهم القواعد التي قررها أهل العلم في موضوع حراسة الدين وحفظه على أصوله وقواعده، وموضوع سياسة الدنيا وتدبير أمر الدولة والرعية بالدين؛ قاعدة ذكرها الإمام ابن نجيم في كتاب (الأشباه والنظائر)، وهي: «تصرف الإمام على الرعية منوطٌ بالمصلحة»، وأضاف عقب ذكره لها أن هذه القاعدة نص عليها الإمام الشافعي بقوله: «منزلة الإمام من الرعية، منزلة الولي من اليتيم».

مفاد القاعدة أن تصرف الحاكم، ومن وُلي شيئا من أمور الناس، يجب أن يكون مقصودا به المصلحة العامة، وتصرف الإمام بناء على ذلك تصرف شرعي صحيح، يجب إنفاذه والعمل به، ولا يصح التخلص منه، وفي أيامنا هذه أيام (كورونا)، يتناقل الناس فيما بينهم الأمور التي قيدها حاكم كل بلد، وخصوصا تلك المتعلقة بالشعائر الدينية؛ والمتدبر في فقه الشريعة الإسلامية يجد بوضوح تام أن الشريعة الإسلامية قد كفلت لولي الأمر تدبيرَ الأمور الاجتهادية وفق ما يتوصل إليه اجتهاده، واستشرافه، وبحثه، وتحريه، واستشارته لغيره من الثقات وأهل الخبرة، سواء كان هذا متعلقا بالأمر أو النهي.

من أعجب أمثلة تقييد الحاكم، ما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره المشهور عن شقيق..


قال: تزوج حذيفة يهودية.


فكتب إليه عمر بن الخطاب: خَل سبيلها.

فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخَلي سبيلها؟

فقال: لا أزعم أنها حرام.

وعلق ابن جرير على ذلك فقال:»وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة رحمة الله عليهم نكاحَ اليهودية والنصرانية، حذارًا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك، فيزهدوا في المسلمات أو لغير ذلك من المعاني، فأمرهما بتخليتهما".

أختم المقال بذكر أن من أهم ما أقرته الشريعة الإسلامية، وأولته مكانة كبيرة، مقام ولي الأمر، فأمرت بطاعته، وحرمت مخالفته؛ حتى تستقيم أمور الناس، وجعلت له باتفاق الفقهاء التقييد بالمنع والنهي، وهذا كله يدخل في دائرة المباح الذي تتغير أحكامُه بتغير الحال والمكان والزمان، وفق ضوابط التغيير الشرعي، ومن نافلة القول ذكر أن التقارير والدراسات المتخصصة أفادت بأن (كورونا) وباء عام، وأن من أهم طرق السيطرة عليه، والوقاية منه منع الجمع والجماعات وغير ذلك، وتأدية تلك الشعائر بصورة منفردة، وهو ما يعطي الحق الكامل لولي الأمر في وضع ما يراه مناسبا لرعيته.