الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

رمضان في زمن كورونا

يهل علينا رمضان هذا العام في ظل ظروف استثنائية جعلت شعوب الأرض تعيش تحت وطأة الحجر الصحي، ظروف أخلت للمرة الأولى في التاريخ الحديث ساحة الحرم المكي من المصلين والمعتمرين، وحرمت المسلمين من الصلوات في المساجد، ومن "اللمة" العائلية التي كان هذا الشهر فرصة في السنة لإحيائها.

خلال الأعوام السابقة، كان رمضان شهرا للتقرب لله والاستمتاع بصلاة التراويح في المساجد التي كانت تعج بالمصلين، وكان مناسبة للتلاقي بالأهل والأحباب، وتبادل الزيارات، وجمع القريب والبعيد.

لكن كورونا، أبى إلا أن يغير من عاداتنا وتقاليدنا، ويحول حياتنا إلى سجن كبير لا مكان فيه إلا للتباعد الاجتماعي، والعزلة قدر المستطاع، والعبادة من داخل البيوت، بعدما نادى المنادي: من كان يؤمن بالله فالله موجود في كل مكان وفي كل زمان، ومن كان يؤمن بالمساجد فالمساجد قد أغلقت أبوابها حتى اشعار اخر.


على الرغم من أن الصورة تبدو قاتمة، إلا أن هناك دائما جانبا مضيئا في كل قضاء الله وقدره، فرمضان هذا العام يزيدنا يقينا بأن الله سبحانه وتعالى يسكن بداخلنا، في نياتنا وعباداتنا وأعمالنا السرية قبل العلنية، وأنه عز جلاله موجود على عتبة كل فقير ينتظر من يطرق بابه ويسد رمق جوعه دون منّ ولا أذى، وأنه ينظر لأعماقنا وليس لمظاهرنا.


رمضان هذا العام أراده الله لنا أن نعيش أدبه وروحانيته لا سهره وصخبه، وأن نختم قرآنه في السر لا في العلن، وأن نتضرع إليه خيفة وخشية في زوايا الغرف لا في ساحات المساجد، وأن نتصدق بصدقة سر لمحتاج لا نفقة تبذير على عزائم وولائم.

ربما سيفقد رمضان لهذا العام أبرز ما يميزه من طقوس جماعية، وسيقتصر الأمر على التعبد مع الأسرة الصغيرة داخل البيت، لكنه في المقابل سيشكل فرصة للاهتمام بالجوانب الدينية الفردية، وتعميق الصلة بالأمور التي تهذب النفس وتربي الذات وفق المبادئ الإسلامية السليمة بعيدا عن الأشكال الطقوسية والمظهرية التي تخرج الإسلام، في كثير من الأحيان، عن مقاصده وأهدافه الحقيقية.

لقد فرضت علينا جائحة كورونا المكوث في المنازل والتعبد فرادى، والإخلاص في عمل الخير لوجه الله فقط، والإفطار دون إسراف ولا تبذير، وإعلاء روح التضامن، وزرع التفاؤل في نفوس الخائفين والمُحبَطين، وهذا جل ما تحتاجه البشرية للعيش، الآن وما بعد كورونا، في سكينة وسلام.