الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

يا ليتني قدَّمتُ لحياتي

حياتنا بتجاربها الحلوة والمرة تمرّ كالحلم، فما أسرع ما تنقضي ساعاتها وأيامها، هذا ما يحدث كل يوم لملايين البشر منذ أوجد الله الحياة على اليابسة، ونتيجة لوتيرة الحياة السريعة، نادراً ما يتوقف أحدنا لمحاسبة نفسه، متسائلاً: هل أنا مستعد للقاء ربي، لو جاءني الأجل؟ وهل في جعبتي ما يكفي من الاستعدادات لتخطي الاختبار بنجاح؟ فالحياة لا تنقطع بالموت، بل الموت مرحلة جديدة سرمدية للحياة.

هنيئاً لأولئك الذين يحاسبون أنفسهم كل حين، فيؤدون الواجبات ويستدركون ما فاتهم بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله، وهنيئاً لأولئك الذين يتوقفون أحياناً، في خضم زحمة المشاغل لمحاسبة أنفسهم والوقوف أمام أخطائها ومحاولة تصويبها، فكم من الناس ينجرف مع تيار الحياة دون تقييم أو محاسبة للنفس، إلى أن يباغته الأجل! وحينها لا يملك إلا أن يقول: يا ليتني قدَّمتُ لحياتي! يقول الشابي: «إن سحر الحياة خالد لا يزول»، وإن الحياة جمال وسحر، بريقها يبهرنا ويعمينا عن المآل، ونحن في غفلة معرضون وفي غمرتها ساهون، متناسين أن الوقت كقبضة من الرمل الذي تتساقط حباته كل حين، ويمرّ عمر الإنسان محققاً فيه إنجازات مادية كثيرة، أما حياته الأخروية، فلا شيء يُذكر.

الإنسان مجبول على حب الشهوات من المال والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ساعياً بذلك إلى تحقيق الشهرة والمناصب، وتعظيم المكاسب من زينة الحياة الدنيا وزخرفها، كلٌ يحققها على قدر، وينقضي أجله في الدنيا ويلقى جزاءه في الآخرة، إما شاكراً وإما كفوراً.


البارحة، لمحتُ أثناء الاستحمام صورتي في المرآة، فكأني رأيت فيها مسائي، إذ رأيت البياض يزحف على لحيتي وشاربي، واستحضرت طفولتي كأنها بالأمس القريب، وتذكرت وفاة والدي، رحمه الله، قبل 15 عاماً، تساءلت في نفسي: لقد أمضيت ثلثَي عمري ولم يبقَ لي إلا الثلث، إذا قدّر الله، فماذا قدّمت لحياتي؟ إن هلال رمضان فرصة لنا للاستكثار من الخيرات والتقرب إلى الله والتأمل في ملكوته الواسع، فرمضان إلى رمضان فرصة للوقوف أمام حياتنا وإعادة ترتيب علاقتنا مع الله أولاً، ومع الناس ثانياً، فصيامنا وقيامنا للدعاء ليس سوى وسيلة للتفكر والتدبر، علَّنا بذلك نصل إلى التقوى، ولن تتأتّى التقوى إلا بمحاسبة النفس ومراجعة سجل الحياة والتخطيط للمستقبل، ولا سيَّما ونحن نقضي أيام العزلة في بيوتنا، فلتكن عزلتنا الروحية لنكتشف إكسير الحياة، وليكن شهرنا الفضيل أوبة وتوبة نصوحاً إلى خالقنا.