الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

حنايا الذاكرة.. والهروب من الجائحة

حين تضعك الأقدار أمام خطب جلل بحجم الجائحة حجراً وعزلاً، وقد توقفت معها قاطرة الحياة لأجل غير مسمّى، فصرنا سجناء من دون أغلال، نَضجُّ بالصمت، نبحث عن حياةٍ.. أيّ حياة، حتى لو كنا سنُصْلى بنيران تناقضاتها، فالحكمة أن تبحث عن قارب للنجاة، وتقفز من فوق سور العزل، مستدعياً هُوية روحك بحروف التفاؤلية، هناك تستحضر ذاتك الوليدة لتواجه أسرك وعزلتك وأنين صمتك، ولسانُ حالك يقول:

ــ ستمضي الحياة.. يقيناً سترسل السماءُ غيثَها.

لا أعلم إن كان ذلك هروباً أم استغاثة.. استحضاراً لذكرياتٍ تقطنُ داخل أعماقنا، أم حنيناً لماضٍ يأسرُنا بتفاصيله، ويثيرُ داخلنا الشجن رغم آهات الحاضر ووهن الذاكرة.. لا أعلم إن كان فراراً إلى ملاذ آمن في زوايا ذاكرة النسيان، مقتفياً خطى الأحداث والشخوص والبلدان، ومُنقِّباً عن عشب الاشتياق وما تبقى من آثاره قبل عدوان الجائحة الجامحة.


وأنا أسمعُ حراكَ الصمتِ حولي أسعفتني الذاكرة برفقاء الدراسة، وأصدقاء بدايات الرحلة.. هم أمراء البراءة والعفوية ممن باعدت بيننا وبينهم السنون زمناً ليس بالقصير، بعد أن أضحى الدرب محطات أسفار وترحال.. بدأت البحث بكل همة عمن لا تزال تنبض الحياة بهم من أساتذة منحوك علمهم، وألهموك قيمهم، وغرسوا فيك كل جميل حصدته أنت.. إنهم رفقاء دربك ممن كانوا بحق درر ذلك الزمان والمكان بعد أن مضيتَ أنت في رحلتك ومضوا هم مرابطين على ثغور البساطة والرضا وصفاء القلوب.


استحضرت الذاكرة ألبوم تلك الذكريات، وحين تواصلت مع بعضهم، غمرني ابتهاجٌ ممزوجٌ بالحنين وأنا أتعرف على ذاتي الغائبة معهم، كطفل ردوه لأمه بعد طول غياب، نسيت حينها أننا في حجر وعزل حين احتواني دفء الوفاء وصفاء النقاء، تذكرت كيف كانت الحياة قبل نيران ثورتين متتاليتين أحالتا حياتنا إلى عزلة باردة وغربة سائدة: الثورة الصناعية الثالثة مبتكرة الإنترنت والبريد الإلكتروني، اللذين حملا ساعي البريد إلى مثواه الأخير، ففقدنا برحيله شوق التواصل الإنساني، ولا تزال لعنة وأده تطاردنا، ثم حلت الثورة الصناعية الرابعة وما حملته في رحمها من ذكاء اصطناعي وتحول رقمي، فتاهت الأنسنة في غياهب الأتمتة، لنصبح أسرى البعد والتباعد مودعين لقاءات المودة والتقارب.

في زمن كورونا، قد يكون الهروب إلى حنايا الذاكرة، والتواصل مع رفقاء زمنك الجميل، طوق النجاة من الجائحة الماكرة.