الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العيد.. في كوكب جديد

حلَّ العيدُ ونحن بعيدون عن كل ما اعتادته النفس من تواصلٍ وتبادلٍ للتهاني والتبريكات لقدوم ضيفٍ طالما تهيأنا لمجيئه، ونحن بكامل زينتنا، وقد اعتلت صنوف الطعام موائدنا، نتوقُ لصدى بهجة أطفالنا، ونترقب خطى أحبتنا وأقاربنا.

حلَّ العيدُ، وقد تحجرتْ أبوابنا المقفلة لقلة طَرقات زائريها، وانطفأ وهج بهجة أطفالنا.. ساحاتٌ مقفرة بلا مصلين، ومساجدُ أُوصِدت أبوابُها خوفاً على المرتادين.. اعتزلنا كل شيء، سعياً للبقاء في ظل جائحة كورونا التي أرغمتنا على العيش خلف جدران الحجر، ننسجُ من خيوط النور بشرى تكون شراعَ أملنا وسط أمواجٍ تقذف بنا كلَّ لحظة إلى شواطئ المجهول طلباً للنجاة.

حلَّ العيدُ، وما انفكت أرجاءُ العالم تنزف بين حروب الرحماء وقتال الرفقاء، وتناحر التجار المتجبرين، وصراع الساسة الواهمين، وكأنَّ مخلوقاً مجهرياً ليس عدواً كافياً لحشد صنوف العدة والعتاد.. أليس عجيباً أن يُولي البشر مدبرين عن عدوهم الحقيقي، مواصلين العداء لشركاء الإنسانية، بعد أن عجزت أمامه عقول العلماء ومهارة الأطباء، ليعيش بنو البشر ثورة ذات طابع مختلف، هدفها البقاء.


حلَّ العيدُ بعد ليالٍ عجاف عصفت بنا بين جدران العزل والخوف، والترقب والرجاء، والأمل وتحدِّي البقاء، وقد أزف الرحيل لكل من خسر معركته أمام عدو خفيّ، جفَّف فينا كلَّ أشكال الحياة التي تعوّدنا عليها، ليرغمنا على واقعٍ يقتلُ فينا كلَّ أمل، ليحيله حاضراً لا نملك بعدُ الفكاك منه، نقبضُ على أنفسنا كوليد احتمى بحضن أمه.


حلَّ العيدُ وقد تغيرتْ حُلَّتُه، وانزوتْ بهجتُه، واضمحلتْ فرحتُه، التي سنتشاركها عبر الشاشات والسماعات، والصور والعبارات، فتبدّل يومُنا من فرحةٍ مزهوّة إلى آمالٍ مرجوّة.

حلَّ العيدُ، والدنيا تعجُّ أنيناً ونواحاً، وتصدحُ ألماً وصراخاً، وقد حصدت المنايا آلاف الأرواح، وخلَّفت مَن نجوا على هامش رحيلٍ معنون بعدو عنيد بالغ الدهاء، وقد وجَّه سلاحه لرئة الحياة فينا، مواصلين معركة البقاء، والتحدي وافتقاد اللقاء.. وصمت هامس: هل نحن ما زلنا نحن؟ أم نحن الماضية مضت، ونحن الحاضرة حضرت في كوكب جديد هويته: ابتعدوا تصحوا، وتباعدوا تنجوا، وعنوان البقاء اتركوا مسافة كافية بينكم وبين الفناء؟

كم نحتاج إلى مُمكناتٍ لنتعامل مع النسخة الجديدة مِن إصدار حياتنا؟ فهل نحن ما نزال نحن، أم أصابنا ما أصابنا، وقد تبدلت ملامحنا لنكون نحن، ولكن بإصدارٍ لا يُشبهنا؟