السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الوسطية بين زكاة الطعام والنقود

موضوع إخراج زكاة الفطر نقداً يحتاج إلى بسط، ومن هنا جاء هذا المقال الثاني عنه، خاصة بعد بروز عدد من الأصداء عن المقال السالف.

من يقرأ أحاديث زكاة الفطر، لا يمكن أن يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم حصرها في المطعومات المنصوص عليها، ولذا أخرج صحابته في حياته أنواعاً أخرى، وهذا القول يسنده الإمام أبي عبدالله المقري في القاعدة 73 من كتابه (القواعد) صفحة 296 بقوله: «الأصل في الأحكام المعقولية لا التعبد؛ لأنه أقرب إلى القبول، والبعد عن الحرج»، وقال الإمام شهاب الدين الصنهاجي المعروف بالقرافي المالكي، في صفحة 489 من الجزء العاشر من كتابه (الذخيرة في فروع المالكية): «إنما الفضل على قدر المصالح الناشئة من القربات»، ويفهم من ذلك أن كثرة الثواب تتبع كثرة المصلحة، ولما كانت مصالح التقرب بالمال أكثر، صارت القربة به أفضل، والفقير اليوم يبيع زكاة المطعومات بأبخس الأثمان، لأن مصلحته أن يكون بيده نقد، يجلب به ما ينفعه.

الاختلاف فيما يجب إخراجه في زكاة الفطر ينبغي ألا يقود الناس إلى خلاف، والقطع بوجوب زكاة الفطر من المطعومات المعروفة، كذا القطع بإخراجها نقداً، يحتاجان إلى جمع وتوسط حكيم، وذلك بالتفريق بين فقير البادية، وفقير الحاضرة؛ ففقير البادية لن يستفيد إلا مما يقتات، وفقير الحاضرة لن يفيده إلا النقد، وأولوية الزكاة بأي قول تتبع حاجة ومصلحة الآخذ لها.


أختم عن الاختلاف في هذه المسألة وغيرها، ببعض الأقوال المشهورة المسطرة في موسوعة الفقه، ومن أهمها قول التابعي الجليل القاسم بن محمد أبي أبكر الصديق، رضي الله عنهم: «لَقَدْ نَفَعَ اللَّهُ بِاخْتِلاَفِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي أَعْمَالِهِمْ، لاَ يَعْمَلُ الْعَامِلُ بِعَمَلِ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلاَّ رَأَى أَنَّهُ فِي سَعَةٍ، وَرَأَى أَنَّ خَيْرًا مِنْهُ قَدْ عَمِلَهُ»، وَقال يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: «اخْتِلاَفُ أَهْلِ الْعِلْمِ تَوْسِعَةٌ، وَمَا بَرِحَ الْمُفْتُونَ يَخْتَلِفُونَ، فَيُحَلِّلُ هَذَا وَيُحَرِّمُ هَذَا، فَلاَ يَعِيبُ هَذَا عَلَى هَذَا، وَلاَ هَذَا عَلَى هَذَا»، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْفُرُوعِ - لاَ مُطْلَقِ الاِخْتِلاَفِ - مِنْ آثَارِ الرَّحْمَةِ فَإِنَّ اخْتِلاَفَهُمْ تَوْسِعَةٌ لِلنَّاسِ.. قَالَ: فَمَهْمَا كَانَ الاِخْتِلاَفُ أَكْثَرَ كَانَتِ الرَّحْمَةُ أَوْفَرَ».