الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العيد.. ميلاد وميعاد

مخطئ من يظن أن العيد محدود فحسب بموعد معلوم وزمان موقوت، فالجائحة علمتنا أن كلَّ يوم يمرّ علينا ونحن في عافية وأمان وسلام، فذلك هو ميقات عيدنا المتجدد، فلا تنسَ الاحتفاء كل يوم بالشكر والدعاء بدوام النعم.. اليوم ونحن نقترب من ساحة العيد الرحبة، نستطلع عمق المعاني، وعظمة الباري.

العيد استحضارٌ لذكرى الرحلة الإبراهيمية نحو المراتب السماوية، نادى بيقين، فلبّت النفوس النداء، وقصدت الحَرمَ من كل فج، لتقيم لله مناسكَ الحج، فهل نحن قادرون على أن نعيَ رسالة من أقامها عملاً، ولبّاها قلباً؟

العيد ميلادٌ للسعادة يتجدّد، ويقينٌ بالرضا يتمجّد، ومسارٌ نحو نقاء الروح وإشراقها بنور الاكتفاء والاستغناء بعد أن أدركت رواء القناعة.


العيد عَودٌ لموطن الذات والذكريات، وحنينٌ لزمنٍ فات، نستلهم منه معين القلوب النقية، والوجوه الباسمة، والأنفس الراضية.. ترتسم تفاصيله في مخيلتنا، لتحيلنا إلى زمن الصفاء والنقاء.. سيظل العيد سفيراً للسعادة، وستظل عيدية العيد وملابس العيد وطقوس العيد وأقارب العيد ومائدة العيد.. قصةَ فرحٍ لا تغيب بين أبوابٍ تطرق، وألسنٍ بالتكبير تلهج، تسطر صفحات لا تُنسى، فهل عزيمتنا اليوم قادرة على صنع فرحتنا رغم الغياب والبعاد؟ العيد دعوة لاستذكار النعم واستشعار بهجة الحياة، إنه موعد التراحم والعطاء، دعوةٌ يتميز فيها أصحاب اليقين ممن أتموا قراءة جدارية الكون، فأدركوا أن الحياة ماضية مهما تفرقت الدروب وتعددت الخطوب.. العيد تذكرة بأننا لا نزال نقوى على صناعة الأفراح، وتحمّل الأتراح، وبأن الأمل اختيار، والصبر إيمان، وتقلبات الزمن سمة أبدية يهزمها اليقين بعد أن بهتت الألوان في عيون كثيرين جراء ما أصاب العالم، ففي العيد نطرق باب الرجاء، ونزمّل أوجاعنا بقرب الفرج، فلولا فسحة الأمل ما تحملنا الألم، تلك خلاصة الرحلة.


العيد ميعادٌ سيحلّ على البعض هذا العام ممن دثروا بالأبيض، ونالوا شرف الوقوف على جبل الرحمة، ليزيلوا ما تراكم على قلوبهم من رانٍ وأقفال، فلنكن معهم بأرواحنا، لنغسلها من كدر تفاصيل أيامنا، فلنحظَ بخلوة نعيد فيها نسج أطراف حكاية جديدة بعهد ووعد وميعاد، عهدٌ بالعودة يزدان بهجة، ووعدٌ بالخير يزهر أملاً، وميعادٌ مع السعادة يَشعّ يقيناً.

العيد ميلادٌ وميعاد وتذكِرةٌ، فلا تنسوا الإفساح له في قلوبكم وأرواحكم قبل معايدتكم لرفقاء كوكبكم بحروف كلماتكم.. كل عيد وأنتم العيد.