الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

الملابس.. ونظام الحياة

في كتابه (فلسفة الملابس) يقول تومي كاريل في فصل أسماه (الدنيا في الملابس): «الإنسان لا يجري مع الصدفة العمياء لا في سن الشرائع ولا في خياطة الملابس»؛ ذلك لأنه يقدم من خلال الملابس أفكاراً فنية يبتكرها بأنواع ترتبط بعلاقاته الإنسانية مع ما حوله، ليظهر في مظهر معَبر عن مكانته الاجتماعية والاقتصادية، فكل ذلك يظهر جليّاً من خلال ما يتوشحه المرء من لباس.

إن الملابس بوصفها رموزاً، تحمل تاريخاً له جذوره الحضارية الضاربة في القدم، فلكل قطعة حكاية ومناسبة ونظام تأسست عليه؛ حيث يُمنع خرق هذا النظام وفلسفته، فلا يمكن ارتداء ملابس الحفلات والأعياد والسهرات في أوقات اعتيادية، ولا يمكن ارتداء ملابس الصيف في الشتاء وهكذا، فالملابس تتأسس وفق فلسفة ونظام له قدسيّته الاجتماعية لأنه يعبر عن صور الحياة المختلفة.

ولأن الملابس تعبر عن ثقافة المجتمعات، فإن ألوانها وأشكالها وقصاتها تعبر أيضاً عن تلك الثقافة، بل هي هُوية قادرة على الكشف عن استقلالية المجتمعات وقدرتها على الابتكار والإبداع؛ فالملابس لا تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات وحسب، بل أيضاً تميز بين المجتمعات الإنسانية، وتُعَرِّف بالإنسان كونه شخصاً ينتمي إلى مجتمع ما، وبالتالي يحمل هُوية معينة.


ولعل ارتباط صناعة الملابس بالعلاقات التي يؤسسها الإنسان مع الفضاء الكوني حوله، هي ما دعته إلى ابتكار أشكال وأنواع مختلفة من الأصناف؛ فأبدع في صناعة الألوان، والأشكال باستخدام ما حوله في الطبيعة، الأمر الذي جعله يقدم تلك الملابس وفق رمزيَّات اجتماعية ودينية دالة، انطلاقاً من تفسير الإنسان لما حوله من علامات؛ فجعل الملابس السوداء ـ مثلاً - دالة على الحزن، والخضراء دالة على السكينة، وهكذا.


ومن رمزيَّات الملابس ما عرفناه في المجتمع العُماني من ارتداء النساء والفتيات الملابس ذات اللونين الأبيض والأخضر في يوم عرفة؛ حيث يجهزن هذه الملابس لهذا اليوم المبارك، وقد خِيطت ملابس الإحرام رمزية لوقوف الحجاج في الكعبة المشرفة، أما الرجال فيتوشحون باللباس الأبيض الناصح منذ الصباح الباكر، تعبيراً عن تلك السكينة والطمأنينة التي يعكسها هذا اليوم.

إن اختيار هذين اللونين لهذا اليوم دلالة على ذلك النظام والفلسفة، التي تأسست عليها صناعة الملابس، وقدرتها على التأثير والتعبير بوصفها لغة، ولهذا فإن الملابس في التراث الثقافي إذا ما بحثنا تاريخها فسنجد أن مجتمعاتنا قدمت مجموعة من الابتكارات والإبداعات الفنية الثقافية، التي علينا تدوينها ودراستها بل وإحياؤها.