الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

عن الاجتهاد والنص

لعل من أبرز المصائب التي يعاني منها المهتمون بالعلم الشرعي، سماعهم لآراء وفتاوى صادرة في غير محلّها، ومن هذا النوع المؤلم أن تكون مواضيع هذه الآراء أو الفتاوى في مسائل مقطوع بحكمها في الشرع الحنيف، وثابتة بأدلة قطعية يقينية، ومعلومة من الدين بالضرورة.

المعاناة كبيرة من الذين يزعمون التجديد فيما لا يقبل التجديد، والاجتهاد فيما ليس محله الاجتهاد، والذين يدعون القدرة على استنباط ما يخالف النصوص القطعية، وقبله الناس منذ الأزل.

أذكر هنا مثالاً قديماً يتجدد بين الفينة والأخرى، وهو طلب التسوية بين الذكور والإناث في الميراث والتركة في كل الحالات ودون استثناء، وهو ما يتناقض صراحة مع قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} ( سورة النساء ـ الآية: 11)، وهو طلب لا يمكن أن يوصف بأنه فتوى أو اجتهاد، إذ هو مردود على طالبه، واجتهاد غير مقبول في ميزان أهل الشريعة، الذين صرحوا بأنه لا مجال للرأي في طلب التسوية العامة بين الرجل والمرأة في الإرث، كما تناولته الآية الشريفة..


من أهم قواعد الدين قاعدة موروثة هي «لا اجتهاد مع وجود النص»، وبعضهم يعدلها فيجعلها «لا اجتهاد (إلا) مع وجود النص»، وفي الحالتين لا يمكن القول بأنه يصح الاجتهاد في ألفاظ القرآن والسنة، التي لا تحتمل إلا معنى واحداً، ويعني كذلك ضرورة الاجتهاد في حضور النص، لإثبات صحته في الدرجة الأولى، ثم بذل الجهد في تنزيله على واقع الناس ومعاشهم، من خلال الفهم الصحيح.


التوسع في التحريم غير مقبول، وإباحة كل شيء مثله، فالأول تشديد، والثاني تفريط، والمطلوب دائماً الحرص على إيجاد جيل متسلح بالواقعية الإيجابية، والقدرة بالمعرفة، على التحليل والاستنباط الصحيحين.