الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الأمة والتدين.. والإطار الواحد

من خلال التوقف عند جملة من تعاريف مفهوم (السلفية)، المبسوطة هنا وهناك، يتبين أن أوسع مفاهيم السلف والسلفية، هو ما كان يقول به العلماء الأوائل، رحمهم الله تعالى، من أن أهل السنة والجماعة هم سلف الأمة، ويقابلهم باقي الفرق والطوائف، ويتبين (من كلامهم) أن السلفية هي المذهب الفكري الجامع للأمة، وأن السلف جماهير الأمة وسوادها الأعظم، وأنهم يمثلون تياراً واحداً في مقابل جميع المذاهب التي نشأت عن فهم خاص لجزئية من جزئيات الدين.

هذه الرؤية تعرضت لخلل كبير، انصرف به العلماء قبل غيرهم عن وظائفهم التنويرية الحقيقية، وتم إقامة حواجز ذهنية تمنع تواصل العلماء مع بعضهم البعض، والمؤلم أن كل أو بعض الحواجز ليست أحكاماً توقيفية، وإنما هي آراء فردية، أدت إلى أن ينظر بعض المسلمين إلى غيرهم من بني جلدتهم أنهم ليسوا سلفيين، بسبب أن معياراً معيناً لم ينطبق عليهم، كقولهم بالمجاز، وتأويلهم المتشابه، ووجود اختيارات تدينية لهم في غير الثوابت المنصوص عليها.

ومن هؤلاء أسماء كبيرة من المفسرين والمحدثين والفقهاء وعلماء العقيدة؛ مثل أبو بكر الباقلاني (ت402)، والخطيب البغدادي (ت463)، وأبو الوليد الباجي (ت474)، وابن رشد الحفيد (ت520)، وابن العربي المعافري (ت543)، والقاضي عياض اليحصبي (ت544)، وابن عطية الأندلسي (ت546)، وشمس الدين القرطبي (ت633)، وعز الدين بن عبدالسلام (ت660)، والإمام أبو زكريا النووي (ت676)، وشهاب الدين القرافي (ت684)، وابن حجر العسقلاني (ت852)، وأحمد زروق (ت899)، وكل واحد من هؤلاء يعد عمدة من أعمدة المعرفة الشرعية.. اليوم نحن في حاجة ماسة إلى أن تكون لدينا نماذج خاصة في التدين؛ هذه النماذج نؤطرها ونؤسسها على أساس عدم الإنكار على الغير دون علم، ونؤسسها على التفقّه في دين الله، ونغرس فيها أن غير الثابت قطعاً ودلالة قد يتغير بحسب دواعي الحياة ومتطلباتها، وهو ما دعا السادة الأحناف إلى القول بتغير الفقه والفتوى بتغير الزمان، ودعا السادة المالكية إلى القول بتغير الفقه بحسب الزمان والمكان والأعراف، ودعا الشيخ ابن القيم إلى عقد فصل خاص في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين) قال فيه: فصل في تغير الفتوى واختلافها، بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.