الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

التَّفرد ممكن.. وشرطه التميز

من خلال محاولات تجميع مقومات التدين في عالمنا اليوم، وتسليط الضوء على أوجه التفرد والتميز، يمكن أن نخلص إلى تقرير أن هناك نموذجاً ممكناً في التدين، بشرط أن تتوفر فيه مقومات معينة، في مقدمتها وجود فقه خاص، يستوعب الثوابت، ويقوم على ملاحظة الواقع، ومواجهة الإشكالات والمستجدات، ويحقق المصالح التي طرأت للناس، وهذا كفيل بتخليص الكل من حالة الصراع والتنازع العقدي، التي عاشها الناس، وخصوصاً في القرون الثلاثة الماضية، وفكّهم من محاولة أن تستأثر كل مجموعة بالحياة الدينية لغيرهم، والذي أدى لغياب الطرف الأوسط، وتغييب المضامين الفكرية القوية، والتي تعد الأسس الراسخة لإقرار السلم بين الخلق.

لقد غابت صلة الأعمال بمفهوم الإيمان، وتأصلت الانحرافات العقائدية في العقول، وغاب جمال المذاهب وتنوعها، وسعتها وقدرتها الفائقة على الإجابة عن الأسئلة والطوارئ، وزاد صوت تبديع بعض الممارسات التدينيّة، ووصمها بأنها خروج عن الدين.

والمؤلم أنه في حالات كثيرة يكتفى بإطلاق حكم الابتداع بالاستناد لمعيار واحد، هو عدم وجود الفعل في زمن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي حالات عديدة تستند دعاوى الابتداع على اختلالات منهجية وإشكالات معرفية، من جنس الجهل بالتفريق بين ما سكت عنه، أو ما ترك فعله، صلَّى الله عليه وسلَّم، كذلك التركيز على دليل واحد وإهمال الدليل الآخر، وعدم القدرة على الجمع بينهما، وتفادي التناقض الظاهر، أو مخالفة الواقع.

أختم بأبرز نص مغيب في دراسة موضوع البدعة، وهو قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في كتاب العلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

أتعجب كثيراً ممن يحاول صرف هذا القول المقدس عن ظاهره، وعن دلالته، وادعاء أن معنى من سنَّ سنَّة هو من أحيا سنة، وهو تحكم لا يسنده أي شاهد، وتأويل متعسف، إضافة إلى أن عصر الرسول لم تكن فيه سنة ميتة، تحتاج إلى أن يحييها صحابي بمحضره صلَّى الله عليه وسلَّم.