السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

نافورة السلام.. وأنسنة المكان

قبل أفول شمس الصيف وقبل أن يحلَّ الخريف على الأغصان، حيث يمتد نهر ديترويت بطول 51 كلم وعرض يتراوح بين واحد و4 كلم، وهو خط حدودي طبيعي يفصل مدينتي وينسور الكندية وديترويت الأمريكية، يروي مشهد (قصة مدينتين) كما رواها تشارلز ديكنز.. هناك أخذتني قدماي في صباح الجمعة بعد إتمام 14 يوماً حجراً منذ الوصول إلى كندا.. لوكنتَ تقف على إحدى ضفتي النهر، ستشهد ذلك التباين الكبير بين مدينتين لا يفصلهما سوى مجرى مائي، فعلى الجانب الأمريكي مدينة ديترويت بشواهدها الرأسمالية، من ناطحات سحاب، وضجيج بلا وجوم.. مدينة إسمنتية بلا روح، ووجوه صماء بلا ملامح، وعلى الجانب الكندي تتناغم البيوت القرميدية مع حفيف الشجر، وأرض خضراء غنّاء، تروي ثقافة الترحاب وحسن الوفادة وبناء الإنسان.

لو كنتَ على الطرف الأغر من النهر الكندي، في منطقة «ريفر فرونت» ومتنزهها بإطلالاته الرائعة على نهر ديترويت، وعند مدخله الشمالي، تقع عيناك على نافورة تشارلز بروكس المميزة، تجذبك وتشعل فضولك لمعرفة قصتها المدونة على لوحة على مقربة منها.. إنها تذكارية للسلام، برونزية الصناعة، عمرها 42 عاماً، يبلغ ارتفاعها 12 قدماً، وتدفع الماء بارتفاع 21 متراً (70 قدماً) في الهواء، وتعد النافورة العائمة الوحيدة في العالم، وقد سميت بـ (نافورة السلام) تخليداً لذكرى زعيم نقابة العمال تشارلز بروكس، الذي ولد بوينسور(1915-1977)، وأسهم في تأسيس الاتحاد العمالي، وترأسه لمدة 21 عاماً، وحارب من أجل زيادة الأجور والمزايا للعمال، وساعد في تحسين جودة الحياة ورفع مستوى المعيشة في مدينته، فكان القدوة في الدفع بالبرامج الاجتماعية الممولة من الحكومة من الرعاية الصحية والإسكان والتعليم ودعم العمل الخيري.. اغتيل بروكس عام 1977 برصاص عامل ساخط، لكن ذكراه بقيت نابضةً اعترافاً بخدمته لمجتمعه، وتقديراً لإنسانيّته وارتباطه الوثيق بالمكان، ولروحه الداعية للحب والسلام.. فكم نحتاج يا ترى في مجتمعاتنا إلى نوافير للسلام والتسامح واحترام الآخر والتعايش، فها هو أحد رموز المحبة والسلام تبقى ذكراه خالدة، وعطر قيمه يفوح، وأثر سعيه للناظرين يلوح.. فسلامٌ على كل من مر في حياتنا وعطرها بالأمان، ولمسة إنسان، ورسالة سلام، فأحال المكان إلى أجمل بنيان.. سلام على كل روح أزهرت، وتوهجت بالمحبة فأضاءت ما حولها وأنورت.