الخميس - 16 مايو 2024
الخميس - 16 مايو 2024

أثرياء هذا الزمان.. ودعم المثقفين

في زمان مضى، كان أثرياء مصر يرعون الفن والفنانين، وقد نشأ عدد من كبار النجوم في قصور أسرة محمد علي، إذْ احتضن أمير الشعراء أحمد شوقي محمد عبدالوهاب، وأحب شريف صبري ـ خال الملك فاروق ـ أم كلثوم، ورفضت الأسرة زواجه منها، وكم شهد قصره على «نيل جاردن سيتي» في القاهرة حفلات لكوكب الشرق.

كما تبنَّى أثرياء مصر كبار الفنانين، فمثلاً تولَّت أسرة عبدالرازق تعليم طه حسين عميد الأدب العربي في كل مراحل حياته، وكان إبراهيم باشا أباظة ـ والد ثروت أباظة ـ يجمع الشعراء حوله، ومنهم: إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه وصالح جودت، والشعراء الفقراء، الأسمر والديب، وكان محباً للأدباء والفنانين.

لقد كان أثرياء مصر يعتبرون ذلك واجباً ومسؤولية وطنية، ولم يكن غريباً أن يتولى أمير الشعراء أحمد شوقي توجيه عبدالوهاب منذ طفولته، وكان يصطحبه في رحلاته الخارجية إلى لبنان وباريس، وقد تعلَّم عبدالوهاب الكثير من تلك الرحلات.


العصر الذهبي للفن والثقافة في مصر نشأ في دعم ورعاية أثرياء مصر في ذاك الزمان لنخبة راقية في الفكر والسلوك، وهذه النخبة لعبت دوراً كبيراً في مناخ الوعي والاستنارة في الشارع المصري.


إن مصر أخذت هذه النماذج من أثرياء أوروبا، لأن معظم المواهب الكبرى في الغرب نشأت في قصور الأثرياء والأمراء والأميرات في الشعر والموسيقى والإبداع بكل ألوانه، والأمر الغريب أن هذه الأنواع من الاهتمام والرعاية لا تتوافر في أثرياء هذا الزمان، وقليلاً ما نجد واحداً منهم يرعى فناناً أو مبدعاً، مع أنهم ينفقون الملايين على أقدام لاعبي الكرة ولا يقدمون شيئاً للعقول المبدعة.

لقد غاب دور الأثرياء في خدمة الثقافة، وتوالت السنوات العجاف على الثقافة العربية، حتى إنه في حدود معلوماتي في الوقت الراهن لا أعرف أن هناك ثرياً عربياً قدّم الدعم لأديب أو فنان أو مبدع عراقي أو سوري أو يمني أو ليبي، وهؤلاء يعانون وسط دمار الحروب الأهلية، وحتى اتحادات الكتّاب والنقابات الفنية في العالم العربي لا تعلم عنهم شيئاً.

لا أطالب هنا بحملات للتسوُّل لهؤلاء المهاجرين، ولكن أطالب بتوفير قدر من الحياة الكريمة لهم من خلال اتحادات الكتّاب والنقابات المهنية والأثرياء العرب من عشاق الإبداع، وإذا كان هؤلاء يدفعون الملايين في تشجيع كرة القدم فلا أقلّ من حماية المبدعين العرب الهاربين من الموت إلى دول الشتات.